ترك برس

فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمدة رئاسية جديدة بعد فوزه في انتخابات الإعادة للسباق الرئاسي بنسبة 52.18 في المئة من الأصوات مقابل 47.82 في المئة لمنافسه كمال كليتشدار أوغلو، وفق النتائج الأولية غير الرسمية التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات.

وبذلك تكون خسارة المعارضة التركية مضاعفة، إذ لم تستطع الفوز بأغلبية البرلمان لتحقيق هدفها الرئيس بإعادة البلاد للنظام البرلماني، ثم عادت وخسرت السباق الرئاسي لصالح أردوغان في انتخابات الإعادة.

حصلت هذه الخسارة المضاعفة رغم الظروف غير المسبوقة لصالح المعارضة وضد أردوغان وحزبه. فالاقتصاد التركي يعاني منذ سنوات، والليرة التركية ليست في أفضل حالاتها مؤخراً، إضافة لارتفاع نسبة التضخم وغلاء الأسعار، وضرب البلاد زلزال مدمر قبل ثلاثة أشهر فقط من الاستحقاق الانتخابي بفاتورة بشرية واقتصادية فادحة، كما لعبت أحزاب معارضة وتيارات عنصرية على وتر الشعبوية بخصوص اللاجئين السوريين على وجه التحديد للضغط على الحكومة.

من جهة ثانية، فقد استطاعت المعارضة أن تتوحد بشكل غير مسبوق، فشمل تحالف الشعب المعارض ستة أحزاب من مشارب وخلفيات مختلفة بما فيها أحزاب خرجت من رحم العدالة والتنمية نفسه، بما أتاح لها إمكانية الخصم من خزان الأخير الانتخابي، ثم حصل مرشحُ التحالف للانتخابات الرئاسية على دعم مباشر ومعلن من حزب الشعوب الديمقراطي ذي الحضور الطاغي في مناطق الغالبية الكردية.

وقد حصل كل ذلك في ظل تراجع ملحوظ في شعبية حزب العدالة والتنمية وبشكل أقل الرئيس التركي، بل لعل كل ما سبق وغيره من ضمن أهم الأسباب التي نتج عنها ذلك التراجع. فلماذا لم تستطع المعارضة هزيمة أردوغان وحزبه رغم كل ما سلف ذكره، وفاز الأخير بولاية رئاسية جديدة وفاز تحالفه بأغلبية البرلمان؟

ثمة أسباب عامة تتعلق بتحالف الشعب المعارض، وهناك أسباب ترتبط بشكل خاص بالانتخابات التشريعية والرئاسية كل منهما على حدة.

ففي المقام الأول، كانت هناك رغبة كبيرة في التغيير في تركيا لا سيما لدى شرائح من المعارضة والشباب، لأسباب كثيرة؛ من بينها الفترة الطويلة لأردوغان والعدالة والتنمية في الحكم والأوضاع الاقتصادية وغير ذلك. إلا أن المعارضة لم تستطع إقناع الكثيرين بأنها البديل المناسب لأردوغان و/أو غير المقلق لأنصاره. كما أن المعارضة أسهبت كثيراً في تعداد المشاكل التي تعاني منها تركيا ووعدت بحلها جميعها، لكن دون أن تطرح رؤى واضحة أو برامج تفصيلية أو شخصيات موثوقة قادرة على الحلول المطلوبة/ المفترضة.

فيما يتعلق بقوائم مرشحي البرلمان، وقع تحالف الشعب المعارض بخطأ كبير تمثل بمشاركة أربعة أحزاب من التحالف على قوائم الشعب الجمهوري من بينها الأحزاب المحافظة الثلاثة السعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم. كانت هذه الأحزاب، وتحديداً الحزبان اللذان انشقا عن العدالة والتنمية بقيادة داود أوغلو وباباجان، قادرة نظرياً على سحب بعض الأصوات من العدالة والتنمية وإقناع شرائح إضافية بالتصويت لها بسبب التشابه الفكري والأيديولوجي بينها، إلا أن عدم خوضها الانتخابات بشكل منفصل حال دون ذلك، إذ كان صعباً (وغير متوقع) على كثير من المحافظين أن يصوتوا لقوائم الشعب الجمهوري، الخصم التقليدي للعدالة والتنمية وللأحزاب الجديدة.

وعليه، أتت نتائج الانتخابات البرلمانية على عكس التوقعات، إذ حافظ تحالف الجمهور الحاكم على أغلبية البرلمان رغم تراجع العدالة والتنمية بسبع نقاط، وكان في مقدمة أسباب ذلك تحسن فرص حزب الحركة القومية بعد أزمة الحزب الجيد في الطاولة السداسية، وكذلك انصراف شريحة من المحافظين عن الأحزاب الجديدة نحو العدالة والتنمية والرفاه مجدداً بقيادة فاتح أربكان، والذي كان من مفاجآت الانتخابات البرلمانية.

أما في الانتخابات الرئاسية فقد كان اختيار المرشح الرئاسي خاطئاً بشكل ملحوظ، من حيث الشخص والأسلوب والإخراج. فكليتشدار أوغلو كان دائماً ضد فكرة ترشح رؤساء الأحزاب للرئاسة، ثم عاد ليناقض طرحه السابق دون إبداء أسباب مقنعة. كان دافعه على الأغلب الفرصة غير المسبوقة في المنافسة الجدية والفوز هذه المرة، لكنه سوّق الأمر على أنه "رضوخ منه لطلب الطاولة السداسية"، رغم أن الجميع تابع كيف كان ترشحه سبباً لأزمة كبيرة كادت أن تنهي الطاولة كتحالف.

على المستوى الشخصي، فكليتشدار أوغلو لم يكن يوماً المرشح الأمثل أو الأوفر حظاً لمنافسة الرئيس التركي، فهو يفتقد للكاريزما التي يتمتع بها أردوغان بوضوح، وسجلّه حافل بسلسلة هزائم سابقة أمام الأخير وحزبه، وسنّه المتقدم لا يشجع الباحثين عن التغيير، فضلاً عن جذوره العلوية التي كانت عائقاً بالنسبة للبعض.

إضافة لكل ما سبق، فكليتشدار أوغلو أبعد ما يكون عن صفات المرشح التوافقي، فهو رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، وبالتالي فهو شخصية سياسية فاقعة، وحزبه ذو أيديولوجيا وتاريخ مقلقين بالنسبة للمحافظين على وجه التحديد. ورغم أنه بدأ ما أسماه عملية مصالحة وطلب الصفح من الأطياف التي تضررت من سياسات حزبه في السابق، إلا أن ذلك لم يُزل تماماً ذلك الإرث، خصوصاً أن خطابه التصالحي لم ينسحب على حزبه ككل، ولذلك فهمه الكثيرون على أنه تكتيك انتخابي لا أكثر.

أما ما بين الجولة الأولى والإعادة، فقد استمات الرجل لكسب أي صوت وكل صوت في سبيل تضييق الفارق بين وبين أردوغان، المتمثل بملونين و600 ألف صوت، ولذلك بدا كمن فقد اتزانه فسعى بكل السبل لمغازلة من صوّتوا للمرشح الثالث سنان أوغان ولا سيما الطيف القومي منهم.

وهنا ارتكب خطأين كبيرين؛ حيث جنَح نحو خطاب شعبوي اقترب من حدود التحريض والعنصرية، بالتركيز على اللاجئين السوريين وجعلهم الركن الرئيس في حملته الانتخابية. كما أبرم اتفاقاً للتحالف مع حزب النصر اليميني المتطرف المعادي للاجئين، بما أقلق أنصار حزب الشعوب الديمقراطي "الكردي"، فكانت مغامرة غير محسوبة أفقدته دعماً كبيراً كان مضموناً له في سبيل دعم قليل محتمل. فقد أظهرت النتائج التفصيلية للانتخابات تراجع نسبة التصويت في مناطق الأغلبية الكردية وكذلك تراجع التصويت له فيها، فيما بدا ردة فعل ورسالة احتجاج على تحالفه المذكور.

وفي كلتا الحالتين، التركيز على السوريين والتحالف مع حزب النصر، ابتعد كليتشدار أوغلو عن خطابه الديمقراطي التصالحي، وكذلك عن مفهوم التشاركية والعقل الجمعي الذي ركز عليه تحالفه، إذ انفرد بالأمرين بعيداً عن حلفائه، بل رغم انتقادات بعضهم لخياراته، وهو أمر أثار القلق حول مدى التزامه بوعوده وكيفية إدارته للدولة مع حلفائه في حال فوزه.

في الخلاصة، كانت الانتخابات البرلمانية والرئاسية الفائتة فرصة غير مسبوقة للمعارضة التركية، لكنها فوتتها وكرر أردوغان وحزبه الفوز بكليهما، وكانت أسباب الخسارة في المقام الأول مبنية على خيارات واختيارات خاطئة من التحالف المعارض ومن رئيس أكبر أحزابه ومرشحه للرئاسة، كمال كليتشدار أوغلو. وعليه، فليس من باب المبالغة توقع ارتدادات تتعلق بمصير كليهما، المرشح والتحالف، في المستقبل القريب كجزء من دفع فاتورة الخسارة والفشل.


**مقال تحليلي للكاتب والباحث سعيد الحاج، نشره موقع عربي21

عن الكاتب

سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!