طه كلينتش - يني شفق

عندما حطت الطائرة في مطار قرطاج، كنت أتساءل كيف ستكون تونس الآن، التي زرتها آخر مرة عام 2019. حينها كانت تونس لا تزال تحاول الوقوف على قدميها على الرغم من كل الصعاب التي مرت بها. وبعد ذلك تولى قيس سعيد سدة الحكم بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، وقام بحل البرلمان وإقالة الحكومة، وبعدها أمر بتنفيذ العملية التي أدت إلى سجن زعيم حركة النهضة رشيد الغنوشي. وكل هذه الأعمال بطبيعة الحال لها تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية.

في وقت مبكر من صباح يوم الأربعاء 31 مايو/أيار وصلنا إلى العاصمة التونسية. قبل أن أقدم انطباعاتي حول الأماكن التي زرتها، أود أن أذكركم ببعض نقاط التحول المهمة التي جرت في تاريخ مدينة تونس:

أصبحت تونس أرضا إسلامية في نهاية القرن السادس ميلادي في إطار الفتوحات التي قام بها المسلمون شمال إفريقيا. هذه الفترة، التي شهدت صراعًا صعبًا مع الإمبراطورية البيزنطية، انتهت رسميا عام 732 ببناء جامع الزيتونة في قلب مدينة تونس. تمثل سلالة الأغالبة العربية، التي حكمت تونس الحالية بين عامي 800 و 909 ميلادية، نقطة تحول في تاريخ المدينة. أعاد الأغالبة صياغة وترميم جميع المعالم التاريخية، وقاموا يزراعة الزيتون والبذور. وكانت دولة الأغالبة تتبع المذهب الحنفي في تونس. وحكم الفاطميون بين عامي (909-972) ميلادية والزيريون بين عامي (972م -1062م) والخراسانيون (1062م -1159 م) والموحدون (1160م-1228م) والحفصيون (1228م-1574م). وفي عام 1574، بدأ الحكم العثماني في تونس

في تونس، كما هو الحال في البلدان الإسلامية الأخرى المطلة على البحر الأبيض المتوسط، عزز العثمانيون روابط التعاون مع العناصر المحلية. وفي هذا الإطار، بدأ العثمانيون يحكمون تونس بواسطة ما يسمى «الداي» حيث تولى هذا الحاكم العسكري الإدارة الفعلية، في حين حكمت المُراديون من 1631 إلى 1702. وحكمت السلالة الحسينية من 1705 إلى 1957. حتى عندما انسحب العثمانيون رسميا من تونس عام 1881 بعد بدء حكم "المحسوبية" الفرنسي، احتفظت السلالات المحلية بسلطتها. تونس، التي حصلت على استقلالها عن فرنسا في 20 مارس/أذار 1956، حكمها الحبيب بورقيبة حتى عام 1987 وزين العابدين بن علي حتى عام 2011.

عندما مشينا في الشوارع الجانبية للمدينة ووصلنا إلى أبواب جامع الزيتونة، كان وقت صلاة الظهر على وشك الدخول، لكن المسجد كان مغلقا. اعتدت على إغلاق المساجد في دول المغرب العربي إلا في أوقات الصلاة، لكن الوضع هنا كان أكثر إثارة للدهشة: لقد عاد جامع الزيتونة إلى سابق عهده بعد عام 2011. والآن يبدو أنه تم غلاقه "ليكون قلب الحياة الاجتماعية" مرة أخرى.

تمشيت في الأسواق الشعبية التونسية، حيث بدت هادئة للغاية. وكان أصحاب المتاجر ودودين فعندما عرفوا أننا من تركيا قاموا بتهنئتنا على إعادة انتخاب أردوغان. وعندما سرت في الشوارع الجانبية كانت مؤشرات الأزمة الاقتصادية في البلاد واضحة.

أثناء زيارة المنزل الذي ولد فيه المؤرخ الشهير ابن خلدون (1332-1406) ومسجد الحي المجاور له، الذي تلقى فيه تعليمه عندما كان طفلا، خيم علينا الحزن بسبب إهمال هذه الشوارع. إن حقيقة وجود مدينة إسلامية تاريخية وسياحية في هذا الوضع، يبين لنا أن تونس بحاجة إلى الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

كان لدينا نفس الانطباع عندما مشينا عبر المناطق التي تقع فيها المدارس التي تعود إلى الفترة العثمانية. كان أمامنا تراث تاريخي رائع، لكن غياب إدارة قادرة على حمايته كان واضحا.

أكملنا جولتنا في تونس داخل أسوار المدينة عند باب البحر المدخل الشرقي للمدينة. ويمكننا رؤية "الوجه الفرنسي" للمدينة هنا. المباني الأوروبية البيضاء والكنائس والكاتدرائيات الكبيرة والمقاهي والحلويات الفرنسية والشوارع الواسعة وخطوط الترام ... كان هذا الوجه الغابر للمدينة يروي بالفعل 130 عامًا من المغامرة التونسية. كان أساس العديد من المشاكل التي نعيشها اليوم هو النظام الاستعماري الذي بدأه الفرنسيون تحت اسم "الحماية" ثم تلك التي انقطعت لاحقا عن تونس (الموارد البشرية ، والوعي الإسلامي والسياسي، والثروات الطبيعية وغيرها الكثير).

أثناء قراءتكم لهذا المقال، سأكون قد زرت المدن التاريخية كالقيروان والمهدية وسوسة والمنستير. سأترك انطباعاتي عن هذه المدن في مقال يوم الأربعاء القادم.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس