إسماعيل ياشا - عربي21
أثارت حادثة الاعتداء على سائح كويتي أمام أفراد أسرته في مدينة طرابزون التركية، قبل أيام، ضجة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل النقاش الدائر حول تصاعد موجة العنصرية التي تستهدف العرب عموما واللاجئين السوريين على وجه الخصوص. وأصدرت محافظة طرابزون بيانا أكدت فيه أن "هذا الحادث الفردي المؤسف لا يحظى بتأييد سكان طرابزون بأي شكل من الأشكال، ولا يليق بحسن الضيافة في طرابزون وتركيا"، كما قام وفد رسمي من مديرية أمن المدينة بزيارة السائح الكويتي في المستشفى، للاطمئنان على صحته.
السائح الكويتي الذي أغمي عليه ونقل إلى المستشفى، ذكر أنه ذهب مع أسرته إلى أحد محلات الحلويات، وطلب الشاي وبعض الحلويات التركية، إلا أن خلافا نشب بينه وبين العاملين في المحل حين أحضر أولاده وجبة من أحد المطاعم المجاورة، وقال له النادل وهو سوري الجنسية، إن إحضار الطعام من خارج المحل ممنوع، وطلب منهم ترك الطاولة والخروج من المحل ودفع فاتورة الشاي والحلويات، إلا أنه رفض أن يدفع شيئا، لأنه لم يشرب الشاي ولم يأكل الحلويات، ورد عليه النادل السوري قائلا: "أنتم دائما فيكم عنجهية"، مضيفا أنه ذهب إلى شرطي تركي، ومد يده ليصافحه، إلا أن الشرطي رفض مصافحته، ثم ضربه أحد الأتراك وهجم عليه آخرون، كما اتهم الشرطي بأنه لم يحرك ساكنا أثناء الاعتداء عليه.
مدير المحل السوري سجل مقطع فيديو ليرد على السائح الكويتي، وذكر أنهم أبلغوه بكل احترام بأن إحضار الطعام من خارج المقهى ممنوع، حين أتى أولاده بوجبة دجاج وسندويشات، إلا أن السائح الكويتي بدأ يصرخ ويشتم، وقال "جب لي مديرك"، وهجم على النادل وأراد أن يضربه، ورفض أن يدفع الحساب، وقال لهم "أنا أشتكي عليكم"، وذهب إلى شرطي، ومد يده ليصافحه، إلا أن الشرطي لم يسلم عليه، ثم بدأ يتهم الأتراك بالعنصرية، وقام أحد الأتراك بوضع يده على فم السائح الكويتي في محاولة لتهدئته.
المشكلة في أساسها، بغض النظر عن الاتهامات المتبادلة، خلاف بين السائح الكويتي والعاملين في المقهى بسبب إحضار الطعام من خارج المحل، وهو ما تتفق عليه كلتا الروايتين. ويعلم الجميع أن هذا نظام معمول به في جميع أنحاء العالم، وأن معظم المقاهي والمطاعم لا تسمح بإحضار الطعام والشراب من الخارج. وفي بعض الأحيان يتشدد أصحاب المحلات والعاملون فيها أكثر مما ينبغي، كما حدث معي حين جاء أخ مصري عزيز مقيم في الولايات المتحدة لزيارتي في مدينة قونيا التركية، وذهبت معه إلى إحدى حدائق الشاي التابعة للبلدية، وكان صاحبي عطشانا، واشترى "عيران" في الطريق، وشرب نصفه، ودخلنا الحديقة وفي يده قارورة العيران. ولما جلسنا جاء النادل ليسأل عن طلباتنا وقال لنا: "إحضار الشراب من الخارج ممنوع". وهو نظام لا أؤيده، على كل حال، وأقول لأهلي وأصدقائي: "لو كان لي مقهى لكتبت بحروف كبيرة أنه يسمح للزبائن بإحضار الطعام والشراب من الخارج".
محافظة طرابزون ذكرت في بيانها أن المعتدي على السائح الكويتي قال إنه اعتقد أن السائحين يقاومان أفراد الشرطة الذين تدخلوا لتهدئة الشجار، إلا أن هذا التبرير غير مقبول على الإطلاق. ولذلك، تم توقيفه وأمر القضاء بحبسه على ذمة التحقيق.
وحوَّل ذاك التصرف الغبي الذي قام به المواطن غير المسؤول مشكلة لا علاقة للأتراك بها إلى قضية ضد تركيا. ولا ندري إن كان قد قام باعتدائه على السائح الكويتي بدوافع عنصرية، إلا أنه من غير المستبعد أن يكون تحت تأثير الدعاية السوداء وحملات التحريض التي تستهدف السوريين والعرب، لأن إثارة المشاعر العنصرية تحرك أولا أجهل طبقات المجتمع، ليقوم هؤلاء السفهاء بأعمال تضر بلادهم، ظنا منهم أنهم يخدمونها بها، كما قام بعضهم في صيف 2015 بالاعتداء على السياح الكوريين الجنوبيين، احتجاجا على ما يتعرض له الأتراك الأيغور من ظلم وقهر على يد السلطات الصينية، لأنهم ظنوا أن هؤلاء السياح صينيون.
الحكومة التركية أخطأت في بداية الموجة حين قالت إن اللاجئين السوريين سوف يعودون إلى بلادهم، كما بدت وكأنها تحاول إرضاء العنصريين، وهذا الموقف الضعيف شجع العنصريين وأظهر الخطاب العنصري وكأنه طلب شعبي مشروع. ولتصحيح ذاك الخطأ، يجب أن تعلن الحكومة بلهجة صارمة أن السياح واللاجئين في حماية القانون التركي وأن أي اعتداء عليهم يعتبر تمردا على الدولة التركية وأمنها القومي، ليعبر بعد ذلك من لا يؤيد سياسة الحكومة بحق اللاجئين عن آرائهم عبر صناديق الاقتراع، علما أن معظم هؤلاء العنصريين لن يصوتوا لحزب العدالة والتنمية حتى لو تم طرد كافة اللاجئين.
السائح الكويتي وراءه دولته وسفارة بلاده، وأما اللاجؤون السوريون فلا بواكي لهم، للأسف، مع أنهم أكبر المتضررين من موجة العنصرية. وبدأت الحكومة التركية تتحرك مؤخرا لقطع دابر حملات التحريض، وتم اعتقال عدد من الذين يديرون حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي تروج شائعات وأنباء كاذبة بهدف إثارة الفتنة. ويبشرنا وزير العدل التركي، يلماز تونتش، بأن دعاوى قضائية في الطريق لمعاقبة مرتكبي الجرائم العنصرية، إلا أننا نأمل أن لا تأتي تلك المعاقبة بعد خراب البصرة. كما ندعو رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان إلى أن يشعر بأن دماء اللاجئين السوريين وأرواحهم وأمنهم وأمانهم أمانة في رقبته، على القول المأثور لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو أن شاة هلكت بشط الفرات، لخشيت أن يسألني الله عنها".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس