يحيى بستان - يني شفق

بعد ساعات قليلة فقط من الهجوم الإرهابي الذي وقع في أنقرة، أعطى الرئيس أردوغان تلميحات حول الخطوات التي سيتم اتخاذها بعد ذلك. وقال: "إن الخطوات الجديدة التي سنقوم بها هي مجرد مسألة وقت وظرف مناسب فقط"، ثم كرر تلك الجملة التي أصبحت الآن رمزًا مهمًا: "قد نأتي على حين غرة ذات ليلة".

بمجرد أن اتضحت هوية الإرهابيين اللذين هاجما وزارة الداخلية ومن أين أتوا، اتضحت خطة أنقرة أيضًا. وكان تصريح وزير الخارجية التركي "فيدان": "إن جميع المنشآت التابعة للتنظيم الإرهابي هدف مشروع لنا" بمثابة إشارة البداية لعملية جديدة. كما كان قوله: "يجب على الأطراف الثالثة الابتعاد عن هذه المنشآت" بمثابة تحذير مهم. على الرغم من عدم ذكر أي أسماء، يعلم الجميع أن الولايات المتحدة هي المخاطب الأول هنا. إلا أنها ليست المخاطب الوحيد. يجب أن تأخذ كل مؤسسة ودولة ومنظمة تتعامل مع تنظيم "بي كي كي" الإرهابي وتزوده بالأسلحة والتمويل وتفتح مطاراتها للتنظيم، حصتها من هذا الرسالة.

تشهد العلاقات التركية الأمريكية منذ فترة طويلة توترًا سببه تنظيم "بي كي كي/واي بي جي" الإرهابي. حيث تدعم واشنطن علنًا هذه المنظمة الإرهابية وفصائلها. وتتعاون مع ذراعها السوري "واي بي جي". وبالإضافة إلى الشاحنات المحملة بالأسلحة التي تمدها بها، فإنها تمول جميع أنشطة البنية التحتية لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي في شمال سوريا، وتنقل قادة المنظمة بطائراتها الخاصة لحمايتهم من عمليات الطائرات المسيرة، وترافق قوافل الإرهابيين بمركبات عسكرية. إن لم يكن هذا يعني دعم الإرهاب فما الذي يعنيه. ولا بد أن يؤدي هذا إلى زيادة التوتر.

لقد ظل هذا التوتر مستمرًا لفترة طويلة من وراء الكواليس فقط. وقد حذرت أنقرة واشنطن بشأن هذا الأمر عشرات المرات. كما كتبنا في مقال سابق، إن رسالة "الإرهاب هدف مشروع بالنسبة لنا، حتى لو كان تحت العلم الأمريكي" المرسلة إلى واشنطن هي تعبير عن عزم الدولة التركية وتصميمها. وكان الأمريكيون يتذمرون من هذا العزم لفترة طويلة، لكن من وراء الكواليس.

وكان أول حدث يثير الأمريكيين، في نوفمبر العام الماضي، بعد الهجوم الإرهابي على شارع الاستقلال، حيث تم شن هجوم كبير بالمسيرات التركية على شمال سوريا. وتم استهداف آبار النفط التي يديرها التنظيم الإرهابي لأول مرة، آبار النفط التي تحميها قوات العمليات الخاصة الأمريكية. كما تم تدمير أنظمة الاتصالات اللاسلكية والبنية التحتية ومستودعات الأسلحة والذخيرة التي بنتها واشنطن بميزانية كبيرة وقدمتها لخدمة تنظيم "بي كي كي" الإرهابي. لم يصدر الأمريكيون أي بيان صحفي بشأن هذا الأمر.

وكان الحدث الآخر هو استهداف قائد تنظيم "بي كي كي" الإرهابي في سوريا، مظلوم عبدي، وقد تم استهدافه في منطقة السليمانية في العراق بينما كان تحت حماية الولايات المتحدة. هذه المرة، تحدث الأمريكيون إلى وسائل الإعلام من خلال "مسؤولين لا يريدون الكشف عن هويتهم". وزعموا أن "سلامة جنودهم كانت في خطر". مع أن الوحيد الذي كانت سلامته في خطر هو قائد التنظيم الإرهابي. فوفقًا لشهود العيان، كانت هناك مسافة 300 متر بينه وبين الجنود الأمريكيين.

وقع الحادث الأخير الشهر الماضي في السليمانية، في مطار "عربت". حيث وقع انفجار في المطار أثناء قيام ثلاثة من البيشمركة التابعين لـ "بافل طالباني"، وهو أحد "الأطراف الثالثة"، بتدريب الإرهابيين. وقد أدانت الولايات المتحدة هذه المرة الحادث مباشرة من خلال بيان صادر عن الحساب الرسمي للسفارة الأمريكية في بغداد، على وسائل التواصل الاجتماعي.

في ظل دعوات إرهابيي تنظيم "بي كي كي" الإرهابي (وطالباني) لوقف عمليات الطائرات المسيرة التركية، وطلبهم المساعدة من الولايات المتحدة وحتى روسيا، تم يوم أمس تنفيذ عملية كبيرة للمسيرات التركية في شمال سوريا. وفي العملية التي نظمها جهاز الاستخبارات التركية، تم استهداف مستودعات الأسلحة ووحدات الهجوم ومصانع الغاز والنفط والمرافق والبنى التحتية التابعة لتنظيم "بي كي كي/واي بي جي" الإرهابي. أعلنت مصادر أمنية أن العمليات ستستمر حتى يتم تحقيق الهدف المخطط له. كان هذا الجزء السوري فقط من العملية، إذ يشير استقبال وزير الدفاع الوطني التركي "ياشار غولر" لنظيره العراقي "ثابت العباسي" في أنقرة إلى أن الأمر لن يقتصر على سوريا.

وخلال عمليات الطائرات المسيرة، أعلن المتحدث باسم البنتاغون "رايدر" أن طائرة مسيرة اقتربت من الجنود الأمريكيين بأكثر من 500 متر وتم إسقاطها. (وقالت مصادر وزارة الدفاع أن الطائرة المسيرة لا تعود إلى الجيش التركي.) عندما بدأت العملية التركية، دخل الجنود الأمريكيون إلى الملاجئ، وأعربوا عن قلقهم على سلامتهم، وكان الحادث محزنًا للغاية، وما إلى ذلك! لم يكن من قبيل الصدفة أن يأتي هذا الإعلان بعد تحذير "فيدان" لـ "الأطراف الثالثة". وتظهر الأحداث الأخيرة مثل المكالمة الهاتفية التي أجراها وزير الدفاع التركي "غولر" مع نظيره الأمريكي، مباشرة بعد هذا الإعلان، ودخول الطائرات التركية مرة أخرى -لأول مرة منذ فترة طويلة- المجال الجوي السوري وضرب أهداف إرهابية، تظهر تصميم أنقرة على محاربة الإرهاب.

ما ينبغي على واشنطن رؤيته وفهمه هو التالي: إن الوجود في سوريا ليس مسألة أمن قومي للولايات المتحدة. ولكن وجود الإرهاب في سوريا هو مسألة أمن قومي لأنقرة، وأمر مصيري بالنسبة لها. وأنقرة مصممة على تدمير الإرهاب بغض النظر عن العلم الذي يختبئ تحته. والوقت كفيل بإثبات ذلك للجميع.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس