بلال سلايمة - خاص ترك برس

يعيد التفجير الذي وقع في منطقة (سروج) الحدودية مع سوريا في محافظة أورفة التركية والذي أودى بحياة أكثر من ثلاثين شخصاً وأدى لجرح أكثر من مئة آخرين إلى الأذهان الانفجار الذي استهدف المهرجان الانتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) في مدينة ديار بكر في الخامس من حزيران الماضي، أي قبيل الانتخابات البرلمانية بيومين فقط.

فعلى الرغم من أن التفجير الأخير ليس الأول الذي تشهده المنطقة الحدودية مع سوريا، فقد شهدت بلدة الريحانية في محافظة هاتاي الحدودية تفجيراً بسيارة مفخخة في أيار/مايو 2013 أدى لمقتل أكثر من خمسين شخصاً وجرح مئة وخمسين آخرين، إلا أن التفجير الأخير يحمل أوجه تشابه مع تفجير ديار بكر فالمستهدف في الحادثين هو تجمع لنشطاء أكراد، كما أن أصابع الاتهام خلف التفجيرين تتجه لتنظيم داعش، وقد تكون عواقبهما متشابهة على الساحة السياسية التركية، فضلاً عن وقوعهما في توقيتٍ حساس في أجندة السياسة التركية.

انفجار ديار بكر الذي أدّى لمقتل أربعة أشخاص وجرح حوالي أربعمئةٍ آخرين، أججّ عواطف عموم الشريحة الكردية وأحيا فيها الشعور بالمظلومية والاستهداف، مما دفع قسماً منها لتغيير قراره في اللحظات الأخيرة قبيل الانتخابات بالعزوف عن التصويت لحزب العدالة والتنمية والاصطفاف خلف حزب ديمقراطية الشعوب الذي ظهر في صورة الضحية المستهدف في سبيل الدفاع عن حقوقها وهويتها السياسية. هذا الشعور بالاستهداف ترجم سياسياً في الانتخابات البرلمانية، فقد ساهم في رفع نسبة أصوات حزب ديمقراطية الشعوب إلى حوالي 13%، وهي نسبة لم يكن حتى الحزب نفسه يتوقعها (حيث يشير بعض المتابعين أن أصوات حزب ديمقراطية الشعوب ارتفعت بنسبة 2% بعيد التفجير المذكور).

انفجار اليوم لا يختلف كثيراً؛ فالمستهدف هذه المرة هم مجموعة من الشباب قارب عددهم 300 شخص كانوا مشاركين في فعالية ينظمها اتحاد جمعيات الشباب الاشتراكي لعبور الحدود نحو مدينة عين العرب/كوباني التي تسيطر عليها الوحدات الكردية في برنامج يستمر لأيام داخل المدينة تحت عنوان (دافعنا معاً، وسنعيد إنشائها معاً)، والاتحاد يعتبر الذراع الشبابي لحزب المضطهدين الاشتراكي (وهو حزبي يساري-كردي) أسسته وكانت ترأسه الرئيسة الحالية لحزب الشعوب الديمقراطي "فيدان يوكسكداغ" (التي ترأس الحزب بالشراكة مع صلاح الدين دميرتاش، كما تنص لوائح الحزب).

كما أن أصابع الاتهام توجهت كما في الانفجار السابق نحو تنظيم داعش حيث رجح نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتلموش أن يكون التنظيم خلف هذا التفجير، مع انتظار نتائج التحقيقات. فيما كان شاب تركي توّجه سابقاً إلى سورية للانضمام لتنظيم الدولة قد اتهم في زرع العبوة الناسفة في انفجار ديار بكر، على الرغم من أن التنظيم لم يتبنَ التفجير رسمياً. وبغض الطرف عن وقوف التنظيم خلف هذه الأحداث في إطار مواجهته مع الأكراد من خلال حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا فمن الواضح أن لافتة تنظيم داعش يسهل استخدامها من أي طرفٍ كان.

من ناحية أخرى فالتفجير الأخير كما سابقه جاء في فترة حرجة تعيشها الساحة السياسية التركية داخلياً، فالبلاد تشهد مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي بين مختلف الفرقاء السياسيين، وقد وقع بعد يومٍ من صدور إشارات من حزب العدالة والتنمية حول توجهه لانتخابات مبكرة من خلال تعليمات أصدرها أحمد داود أوغلو لمسئولي الحزب في مدنهم ليكونوا على أهبة الاستعداد للانتخابات.

وقد شكل التفجير فرصة للمعارضة التركية (وعلى رأسها حزب الشعوب الديمقراطي) للنيل من الحكومة التركية والسعي لإثبات فشل سياسات حكومة العدالة والتنمية الخارجية والأمنية، وتحديداً نحو الملف السوري، كما لم تتوان بعض أصوات المعارضة عن اتهام الحكومة التركية في التساهل بمحاربة تنظيم داعش بل وتسهيل الحركة له، حيث قال "ميرال بيشتاش" نائب رئيس حزب ديمقراطية الشعوب أن "المسئولين عن هذا التفجير هم من سمحوا لداعش بالتحرك بحرية" في تلميحٍ للحكومة.

الأوساط المقربة من الحكومة من جهتها حمّلت حزب الشعوب الديمقراطي المسئولية عما حصل، متهمة إياه باللامبالاة وعدم المسئولية بإرسال شباب إلى منطقة تشهد نزاعاً مسلحاً، كما أن الحزب وفق هذه الأوساط هو من نقل الأزمة السورية إلى داخل تركيا من خلال سعيه لاستثمار الأحداث في سورية في السياسة الداخلية كما حدث إبان المظاهرات التي شهدتها المناطق ذات الغالبية الكردية إبان أحداث كوباني خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث يرى بعض المراقبين أن حزب ديمقراطية الشعوب يسعى لاستحضار وتأجيج الخطاب القومي الكردي لزيادة حضوره وتمثيله للشريحة الكردية باستثماره للأحدث في سوريا وتحديداً المواجهات بين حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه المسلح قوات الحماية الشعبية من جهة وتنظيم الدولة من جهة أخرى. ومن المؤكد أن استحضار الخطاب القومي يدفع بالناخب سواءً الكردي أم التركي للتحصن خلف هويته القومية السياسية في أطراف الخارطة السياسية الحزبية بعيداً عن حزب العدالة والتنمية الذي يتموضع في الوسط بالنسبة للإيديولوجيا السياسية.

لم يكن تفجيرا ديار بكر وسروج التفجيرين الوحيدين في سياق استهداف ما يمكن أن نسميه الحركة السياسية الكردية مؤخراً، فقد شهدت مدينتي أضنة ومرسين في الثامن عشر من شهر أيار/مايو السابق اعتداءين على مبني حزب ديمقراطية الشعوب من خلال طرود بريدية مفخخة.

ويرجح ألا يكون هذا هو التفجير الأخير الذي قد تشهده تركيا في ظل صعوبة ضبط حدودها مع سورية والتي تمتد على قرابة 900 كم، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود متعاطفين مع تنظيم داعش داخل الأراضي التركية، الأمر الذي يضع السلطات التركية أمام مسئوليات جادة في مواجهة محاولاتٍ تسعى للتأثير على الخارطة السياسية داخلياً وإضعاف قدرة الفعل للبلاد على الصعيد الخارجي من خلال زعزعة استقرار البلاد واستثارة مكونات سياسية ومجتمعية معينة.

عن الكاتب

بلال سلايمة

باحث وكاتب متخصص في السياسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس