ترك برس

أفاد مقال على موقع "الجزيرة نت" أن جهود أنقرة ودمشق لتوحيد سوريا، تصطدم بأطماع إسرائيل التوسعية في المنطقة.

وقال الكاتب والمترجم السوري عبد الله حمشو، إن أشهر قليلة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، كانت كفيلة بجعل السوريين يدركون أن بلدهم كان -وعلى مدى عقد من الزمن- مقسما إلى مناطق نفوذ لقوى محلية، يرى البعض أنها تخدم أجندات خارجية، فإذا بهم أمام تحديات داخلية لا تقل خطورة عما شكله النظام البائد.

وأضاف في مقاله: المشهد اليوم شبيه إلى حد كبير بما كان عام 1920، حين اعتقد السوريون أن بناء دولة مستقلة لا يحتاج سوى إرادة وطنية جامعة.

وفيما يلي تتمة المقال:

وهذا ما دفع بالملك فيصل إلى إعلان قيام "المملكة السورية" في مارس/آذار 1920، الأمر الذي لم يعجب فرنسا وبريطانيا الطامحتين إلى تقاسم تركة "الرجل المريض"، فدفعتا إلى فرض الانتداب على الأراضي العربية التي كانت خاضعة للدولة العثمانية المهزومة في الحرب.

لكن الإرادة الوطنية الجامعة -على أهميتها- لن تفي بالغرض إن لم يتعرف السوريون إلى الأيادي الخارجية التي تحرك الأحداث والقوى الداخلية وفق مصالحها ورؤاها المتعارضة.

تركيا وإسرائيل: فكا الكماشة

تؤيد تركيا وحدة سوريا، وترفض أي محاولة لنشر الفوضى أو تقسيم البلاد، كما صرح الرئيس التركي مؤكدا أنه "لا تسامح مع أي محاولة للفوضى في سوريا". وفي الحقيقة، فإن سوريا الموحدة تعني -بالضرورة- حدودا آمنة من دون وجود أي كيان يهدد الأمن القومي التركي.

والمراقب لسلوك السلطات السورية يلحظ ميلها إلى تسوية الخلافات الداخلية سلميا، كما ظهر بعد توقيع اتفاق العاشر من مارس/آذار بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي.

وهو الاتفاق الذي وضع حدا للمطالبة باللامركزية أو بإقليم كردي على غرار كردستان العراق. ورغم ذلك، تلوح تركيا بعملية عسكرية ضد "قسد" إن أخلت بالاتفاق مع الحكومة السورية.

غير أن الجهود التركية والسورية الرامية إلى توحيد البلاد و"تصفير المشاكل في المنطقة"، كما وصفها الرئيس السوري في لقائه مع وفد من الإعلاميين العرب، تتصادم مع طموحات نتنياهو الذي يرى نفسه مكلفا بإنشاء "إسرائيل الكبرى" بين النيل والفرات.

فمصلحة إسرائيل تقتضي بقاء سوريا دولة ممزقة الأوصال تثور فيها الفتن الطائفية والعرقية؛ لأن صعودها كقوة إقليمية جديدة يتعارض مع أهداف إسرائيل الساعية إلى إضعاف الدول المحيطة بها، تمهيدا لقضم أجزاء منها تدريجيا، كما فعلت باحتلال التلال الخمسة جنوبي لبنان، وجبل الشيخ، والمنطقة العازلة جنوب سوريا.

وقد صرح وزير الأمن الإسرائيلي بأن "إسرائيل ستبقى في جبل الشيخ والمنطقة العازلة في سوريا إلى أجل غير مسمى".

جهود التوحيد ومكائد التقسيم

وسط هذا المشهد المعقد، ترى الحكومة السورية نفسها أمام مهمة إعادة إعمار البلاد، وتوفير الخدمات الأساسية والطاقة للشعب، ومعالجة الملفات الداخلية والخارجية الحساسة.

وربما تسرعت الدولة في التعامل مع ملف السويداء، بل هناك من يقول إنها وقعت في الفخ الإسرائيلي؛ فبعد أن أرسلت وزارة الدفاع قوات من الجيش لاحتواء النزاع الذي احتدم بين العشائر والفصائل الدرزية في يوليو/تموز المنصرم، سارعت إسرائيل إلى قصف آليات الجيش وأرتاله بذريعة حماية الدروز، وإبقاء جنوبي سوريا منطقة منزوعة السلاح.

هذا السلوك الإسرائيلي زاد الطين بلة؛ إذ دفع بعض القوى الدرزية إلى المطالبة بالاستقلال التام عن سوريا، وهو ما أكده الزعيم الروحي للطائفة حكمت الهجري في مقطع مصور حين قال: "لم يبقَ لدينا ما نساوم عليه إلا استقلالنا".

وتعمل الحكومة السورية على احتواء المكونات في الشرق والجنوب عبر المفاوضات والدبلوماسية، لكن المشهد في السويداء أكثر تعقيدا. فطموحات حكمت الهجري بإنشاء كيان درزي في الجنوب، وفتح ممر إنساني يمتد من الجولان المحتل مرورا بالقنيطرة ودرعا وصولا إلى السويداء، ثم ربطه بمناطق سيطرة "قسد" شمال شرقي البلاد، تتناغم- إلى حد كبير – مع ما يسمى "ممر داود" الذي تسعى إليه إسرائيل وتعتبره خطوة مفصلية في مشروعها لتفتيت البلاد.

سوريا موحدة أم مقسمة؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من التذكير بأن هذه ليست المحاولة الأولى لتقسيم سوريا؛ فقد حاولت فرنسا في فترة انتدابها تقسيم البلاد إلى دويلات طائفية في سوريا ولبنان. ومن هنا فإن فهم التاريخ ضروري للخوض في الحاضر.

المشهد اليوم يبدو في صالح الحكومة المركزية في دمشق؛ فلا تركيا ولا الأردن تؤيدان إنشاء كيان كردي على حدود الأولى أو كيان درزي على حدود الثانية. وحتى الولايات المتحدة ترفض تقسيم سوريا، إذ ترى أن مصلحتها تكمن في بقائها موحدة بقيادة أحمد الشرع، الذي تعتبره قادرا على ضبط الجماعات الجهادية في المنطقة، على مبدأ "داوني بالتي كانت هي الداء!".

كما تدرك واشنطن أن تقسيم سوريا سيكون الشرارة لحرب أهلية قد تمتد إلى المنطقة برمتها.

في خضم التجاذبات السياسية والعسكرية، يبقى المشهد السوري من أكثر المشاهد تعقيدا في الشرق الأوسط. ويبدو أن الخطاب الرسمي المعتدل -وحده- ليس كافيا لجمع شمل البلاد.

ففي ظل غياب الجدية الأميركية في مواجهة الخروقات الإسرائيلية المستمرة وتدخلها في الشأن الداخلي السوري، ستبقى أطراف داخلية تستقوي بالخارج وتسعى -كما وصف الرئيس السوري- وراء "أحلام" الاستقلال عن البلد الأم.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!