ترك برس

تفيد تقارير صحفية بأن سائحًا عربيًا يزور إسطنبول من بين كل ست سياح سنويًا، وتفيد التقارير بأن أعداد السياح العرب التي تزور تركيا سنويًا تتراوح ما بين 2 إلى 3 مليون سائح. يرى الكثير من السياح العرب بعد زيارتهم إلى تركيا ومشاهدتهم الكثير من المعالم العثمانية المعمارية الفريدة والضخمة والمميزة بأسلوب معماري أصيل لا يمكن رؤيته إلا في بلاد بني عثمان، فيتوارد إلى أذهانهم سؤال عن المهندس المعماري البارع الذي بنى هذه الهياكل المعمارية النادرة، ليجدوا أنّ هذا المهندس البارع يُدعى معمار سنان آغا فيبدأ الفضول لدى السياح العرب بطرح سؤال من هو معمار سنان آغا؟

معمار سنان هو سنان الدين يوسف بن عبدالمنان وُلد عام بتاريخ 28 أيار/ مايو 1489 في مدينة قيصري التركية بين أحضان عائلة أرمنية أرثوذكسية، وبعد بلوغ سن الرُشد أرسلته عائلته عام 1511 في عهد السلطان ياووز سليم إلى إسطنبول دوشيرمي، حيث ترعرع بين أحضان القصر وتلقى العلوم الدينية والدنيوية فيه وأصبح أحد أشهر المهندسين المعماريين والرساميين المبدعيين في القصر.

يُقصد بالدوشيرمة، حسب المصادر والوثائق التاريخية، تحويل الأطفال المسيحيين أو أبناء الطوائف الدينية الأخرى إلى مسلمين وتلقينهم العلوم الدينية المتعمقة والدنيوية المتطورة لتخريج جيل متعلم ومبدع مخلص للسلطان منهم وخادم له بكل ما أوتي من قوة. وكان يتم اختيار أبناء الديانات الأخرى فقط ليتم تلقينهم الإخلاص الأعمى للسلطان، حيث كان تلقينهم ذلك أسهل من تلقين الأطفال المسلمين الذين كانوا يتعلمون من أهليهم بعض التعاليم المعارضة للطاعة العمياء، الأمر الذي كان يزعج الأمراء والسلاطين العثمانيين.

وكان هؤلاء الأطفال يتم تجنيدهم وإرسالهم للخدمة العسكرية في جيش الإنكشارية، وبعد تجهيزهم عسكريًا يتم تسليمهم لمعلمي وحرفيي القصر لتخريجهم محترفين ومبدعين في مجالات مختلفة. وقد قام سنان باختيار حرفة العمارة بنفسه لأنه كان يشعر بقدرته على الإبداع بها. وكان هؤلاء الأطفال مسؤولين في جميع مراحل حياتهم من القصر، حيث كان القصر يوفر لهم المأوى والعيش الكريم والزاوج وكل ما يحتاجون إليه، وكان الدوشيرميون يخدمون في الجيش خلال مسيرة الفتوحات، وبعد عودتهم من الفتوحات يعملون ويبدعون في المجال الذي تعلموه خلال فترة إقامتهم في القصر.

انضم سنان خلال فترة الخدمة العسكرية الخاصة به إلى معركتي الريدانية ومرج دابق اللتان قادهمها السلطان سليم الأول وتم على إثرهما فتح الشام ومصر في عامي 1515 و1516، كما انضم في عام 1521 إلى معركة فتح بلغراد بقيادة السلطان سليمان القانوني وبسبب مهارته القتالية الإبداعية تم تعيينه قائدًا لوحدة قتالية.

وانضم سنان إلى الفتوحات التي قادها السلطان سليمان القانوني عام 1533 باتجاه إيران، وعن وصول الجيوش إلى بحيرة فان تعسر تقدّمه لصعوبة مروره من خلال هذه البحيرة الضخمة، فقام سنان بصنع 3 جسور متينة تمكن الجيش من خلالها دخول البحيرة بأمان وسلامة مما زاد من اعتبار سنان لدى السلطان سليمان القانوني، وعلى هذا الأساس قام السلطان بإعطائه رتبة الشرف السلطانية.

كما انضم سنان إلى فتوحات البلقان عام 1538، وبعد اقتراب الجيش العثماني إلى نهر البرود احتاج الجيش إلى جسر متين للعبور وحاول الكثير من الضباط تأسيس الجسر لكنهم لم يفلحوا فذلك فاقترح وزير سليمان القانوني شلبي لطفي باشا توكيل سنان بن عبدالمنان في هذه الوظيفة وأمر سليمان القانوني سنان بتولي المهمة وإتمامها بنجاح في أسرع وقت ممكن.

بعد تولي سنان لهذه المهمة على الفور بدأ العمل بإنشاء جسر متين وجميل استمرت عملية إنشائه عشرة أيام، استطاع استطاع الجيش بعدها عبور النهر بكل أمان وسرور، وما زال الجسر إلى يومنا هذا قائمًا بمتانته وجماله.

خدم معمار سنان في جيش الإنكشارية لمدة 17 عامًا، وعندما أصبح في سن 49 أمر السلطان سليمان القانوني بعد رؤية قدرته الإبداعية في العمارة بتنصيبه رئيسًا للمعماريين العثمانيين، وبعد حصول سنان على هذا المنصب تفرغ تمامًا لإنشاء المباني المعمارية المتنوعة من مساجد ومدارس وكليات تعليمية وقصور، وتميزت جميع مبانيه المعمارية بالجمال والدقة والإبداع والبراعة، وعمل لمدة 49 عامًا في مجال الإنشاء المعماري.

الآثار المعمارية التي خلفها معمار سنان آغا:

ـ 55 كلية ومدرسة تعليمية أشهرها كلية زخرفية في حلب وكلية تشوبان مصطفى في غابزا وكلية حسكة في إسطنبول.

ـ 81 مسجدًا يأتي على رأسهم جامع السليمانية والشيخ زاده ومهرمه سلطان في إسطنبول والسليمية في إديرنة.

ـ 17 أضرحة للسلاطين والأمراء مثل ضريح السلطان سليمان في بيازيد بإسطنبول.

ـ 3 مستشفيات ودور تأهيل يأتي على رأسها دار العجزة في إسطنبول.

ـ 5 طرق مائية جميعها موجود في إسطنبول.

ـ 8 جسور مثل جسر سيليفري وبيوك تشكماجا في إسطنبول.

ـ 36 قصر مثل القصر العتيق والقصر الجديد في إسطنبول.

ـ 8 مخازن مثل مخزن القمح في حي كاغيت خانه في إسطنبول.

ـ 48 حمام مثل حمام السلطان سليمان وحمام السلطان "هُرّيم" في إسطنبول.


الهوامش والمصادر:

ـ ذكريات البنية والبنيان، معمار سنان آغا

ـ حياة المعمار سنان، حيدر علي

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!