محمد زاهد جول - الخليج أونلاين

إن وجود حزب الشعوب الديمقراطي في الحكومة الانتخابية أمر قانوني، وليس باختيار حزب العدالة والتنمية ولا رئيس الحكومة الانتخابية، ولا يحق لأحد من الأحزاب التركية أن يمنعه، فالمادة 114 تشرح طريقة اختيار الحكومة الانتخابية من كل الأحزاب المشاركة في البرلمان بحسب النسب الفائزة فيها في الانتخابات البرلمانية السابقة، ولذلك سوف يدخل ثلاثة وزراء على الأقل من حزب الشعوب الديمقراطي في الحكومة الائتلافية، ولو كان هناك شيء من المسؤولية على الأحزاب السياسية التركية بسبب دخول حزب الشعوب الديمقراطي الحكومة الانتخابية فهو حزب الحركة القومية وزعيمه دولت باهجلي شخصياً، فقد كان دولت باهجلي أمام أكثر من فرصة لمنع حزب الشعوب الديمقراطي من دخول الحكومة، ومنها تشكيل حكومة ائتلافية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في مرحلة المباحثات لتشكيل الحكومة الانتخابية، والتي ينتهي موعدها بتاريخ 2015/8/23، والفرصة الثانية كانت بقبول حزب الحركة القومية أن يشكل حزب العدالة والتنمية حكومة أقلية وإعطاءها الثقة البرلمانية من حزب الحركة القومية لكسب ثقة البرلمان التركي، وتجاوز نسبة 51%، فحزب العدالة والتنمية كان بحاجة إلى ثمانية عشر (18) صوتاً لتشكيل حكومة أغلبية من حزب العدالة والتنمية وحده، وكان من الممكن لحزب الحركة القومية أن يمنح حزب العدالة والتنمية هذه الأصوات، وأن يشترط أن تكون حكومة الأقلية حكومة انتخابات فقط، وفي هذه الحالة ما كان لحزب الشعوب الديمقراطي أن يشارك في حكومة تركية قد يستغرق عمرها أشهراً عديدة، قد تتجاوز تاريخ النصف الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015 القادم.

هذه الفرص وغيرها أضاعها حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهجلي، الذي أخذ من اللجنة المركزية في الحزب تفويضاً كاملاً لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية، ولكنه بدل ذلك أخذ يدعو لمعالجة مشاكل البلاد بطريقة أمنية تدفع بالبلاد إلى مزيد من التوتر، وتعطي فرصة أكبر للتنظيمات الإرهابية أن تشعر بكسب جولاتها الإرهابية ضد الدولة والحكومة والجيش والشعب التركي، وذلك بمطالبة رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي من الدولة التركية بضرورة عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي، واتخاذ قرار بفرض الأحكام العرفية في بعض المدن التي تشهد أعمال عنف.

وادعى بهجلي أن رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، تقع على عاتقه مسؤوليات كبيرة، وقال: "ثمة ضرورة لتأمين بعض المدن في البلاد عن طريق فرض الأحكام العرفية لتشمل المدن والبلدات التي تشهد أعمال العنف والإرهاب، وذلك على نحو يتوافق والمادة رقم 122 من الدستور التركي، أما عن كيفية تطبيق ذلك فهو موضح بالتفصيل في المادة المذكورة في الدستور".

هذه المعالجة التي يطالب بها دولت بهجلي تستبق زمنها وضرورتها، وإذا أخذ بعين الاعتبار أن الدولة التركية قد اعتادت خلال الخمس والثلاثين سنة الماضية هذا النوع من العمليات الإرهابية، وأن المعالجة المطلوبة هي في منع زيادة حالة التوتر، وعدم إدخال البلاد في حالة عدم الاستقرار الأمني بفرض الأحكام العرفية لمواجهة أحداث مؤلمة ومؤسفة ولكنها لا ينبغي أن تؤثر على حياة المواطن، ولا عجلة الاقتصاد، ولا السياحة العالمية في تركيا، فعدد القتلى بلغ 55 قتيلاً من رجال الأمن، بينهم جنود ورجال شرطة ، و14 مدنياً، خلال الـ 44 يوماً الماضية.

وزعيم حزب الحركة القومية طالب أيضاً بتأجيل التوجه إلى الانتخابات قائلاً: "إن توجه تركيا اليوم إلى انتخابات في ظل هذه الظروف والمشهد السياسي قد يشعل فتيل حرب أهلية"، وهذا سوء تقدير آخر للوضع الأمني في تركيا، ولعل الهدف منه لدى دولت بهجلي تخوف نتائج الانتخابات المبكرة، فقد كان أداء دولت بهجلي سلبياً منذ إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة في السابع من يونيو/حزيران الماضي، تناقضت فيه مواقفه من الحكومة الائتلافية، فقد رفض المشاركة في حكومة ائتلافية قبل صدور النتائج، وبعد صدور النتائج بساعات، ثم أخذ تفويضاً من اللجنة المركزية لحزبه للتفاوض على حكومة ائتلافية، أثبت فيها عجزه عن التفاوض في الشأن العام التركي والمصلحة الوطنية، وأخذ يعالج مسائل شخصية حول صلاحيات الرئيس التي يحكمها الدستور التركي، وليس مباحثات تشكيل الحكومة الائتلافية، وكذلك تناقضت تصريحات دولت بهجلي حول الانتخبات المبكرة أيضاً، فهو أول من دعا للانتخابات المبكرة، ثم هو يحذر من مخاطرها بطريقة سيئة للغاية، فلا إمكانية لحرب أهلية في تركيا، لأن الشعب الكردي يعارض ويرفض العمليات الإرهابية أكثر من غيره من أبناء القوميات التركية الأخرى، والتنظيمات الإرهابية الكردية لا تمثل الشعب الكردي، لا في تركيا ولا في سوريا ولا في العراق، ولا في غيرها، ولو استطاعت هذه التنظيمات الإرهابية، بما فيها حزب العمال الكردستاني، إشعال حرب أهلية لفعلت ذلك منذ عقود، ولكنها لا تملك ذلك، وغالبية الشعب الكردي ليس معها، وجزء كبير من أتباعها يخضوعون للإرهاب من هذه التنظيمات والأحزاب الإرهابية، وهذه قضية ينبغي على الدولة التركية أن تجد طريقة صحيحة لمعالجتها.

وبحكم الموقع السياسي الذي يشغله دولت بهجلي، كرئيس ثاني أكبر حزب في المعارضة التركية، فقد جاء رد الحكومة التركية على دعوته سريعاً وواضحاً ومعللاً بأسباب رفض الأحكام العرفية، فقال نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان كورتولموش: "إنّ الإعلان عن إطلاق الأحكام العرفية وتفويض الجيش بإدارة المناطق التي تشهد اضطرابات وأعمالاً إرهابية مع استمرار الوضع الراهن، يصبّ في مصلحة التنظيمات الإرهابية".

وأضاف كورتولموش في هذا السياق: "يمكننا محاربة الإرهاب بالوسائل الديمقراطية، ولكننا لا نستطيع أبداً أن نحدّ من الحريات الشخصية بدواعٍ أمنية، وإنني أؤكّد أنّ إطلاق الأحكام العرفية في تلك المناطق لن تجدي نفعاً لأنها ستكون بمثابة إعلان حالة الطوارئ في البلاد، وهذا سيؤدّي إلى شقّ وحدة المجتمع التركي والقضاء على النظام الديمقراطي في البلاد"، أي إن رد الحكومة التركية يحمل وجهة نظر تهدئ توتر الشارع، ولا تخرج الديمقراطية التي رسخها حزب العدالة والتنمية في العقد الأخير عن مسارها، إضافة لما لها من تأثير على الاقتصاد والسياحة التركية.

وكأول موقف لحزب العدالة والتنمية من مشاركة وزراء حزب الشعوب الديمقراطي في الحكومة الانتخابية، في ظل صراع الدولة والحكومة والجيش والشعب التركي ضد الأحزاب الكردية الإرهابية، وبالأخص ضد حزب العمال الكردستاني وقيادة قنديل ومن يتبعها، أعلن كورتولموش، "أنّ الصراع ضدّ المنظمات الإرهابية لن تتأثر بأي وجود لأي جهة، وأنّ الصراع سوف يستمر حتّى إنهاء خطر هذه التنظيمات على الدّولة التركية"، فالحكومة الانتخابية ستواصل ضربها للتنظيمات الإرهابية التي تتهدد الأمن القومي التركي داخل تركيا وخارجها، دون حاجتها إلى الأحكام العرفية ما دام أن الأعمال الإرهابية عاجزة عن تحقيق أهدافها في زعزعة الاستقرار في تركيا، مهما كانت الجهات العدوانية التي تناصب الشعب والدولة والحكومة التركية العداء والإرهاب.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس