جلال سلمي - خاص ترك برس

"الإرهاب ليس له أي دين أو عرق، بل هو عبارة عن وسيلة "قذرة" تستخدمه جهات إجرامية مسلحة تحمل في طياتها أهدافًا سياسية تسعى لتحقيقها بأساليب "ميكافيلية" لا تمت للأخلاق والإنسانية بأية صلة".

ولم يكن هذا الحدث الإرهابي هو الأول من نوعه الذي يستهدف تركيا وأمنها واستقرارها، بل سبقه عدد من الوقائع الإرهابية التي حملت نفس الهدف والغاية، حيث قام بتاريخ 15 و20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2003، خمس إرهابيين بتفجير أنفسهم أمام بنك "أتش أس بي سي" الإنجليزي ومكتب الهجرة اليهودي والقنصلية الإنجليزية وعلى إثر هذه الانفجارات المتتالية لقي 59 شخص مصرعه وجُرح المئات، وفي العام الماضي 2015 أقدم أحدهم على تفجير نفسه في ناحية "سوروج" التابعة لمدينة "شانلي أورفا"، مما نتج عنه مقتل 30 شخص، وقبل شهور قليلة وبالتحديد بتاريخ 10 نوفمبر 2015، وقع انفجار من نفس القبيل في العاصمة التركية أنقرة مسببًا مقتل أكثر من 100 شخص.

وتعليقًا على هذه السلسلة الإرهابية، يؤكد الباحث السياسي الإعلامي "محرم صاري كايا"، في مقاله "تركيا هدفًا للإرهاب"، نشر في صحيفة "خبر ترك" بتاريخ 13 كانون الثاني/ يناير 2016، أن الإرهاب لا ينتمي لأي دين أو عرق، بل هو عبارة عن واسطة "قذرة" و"غير أخلاقية" تستخدمه جهات "إجرامية" مسلحة تحمل في طياتها الفكرية "المتطرفة" أهداف سياسية تسعى لتحقيقها بأساليب "ميكيافيلية" لا تمت للأخلاق الحميدة والإنسانية المجيدة بأية صلة لا من بعيد ولا من قريب".

ويشير صاري كايا إلى أن الهدف الإرهابي باختلاف مسمياته وإيدولوجيته الداخلية هو استهداف الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي للدولة المستدفة، ورفع حجم التوتر والتفرقة والعنف بين أفراد المجتمع الواحد أو بين أفراد مجتمعين مختلفين، ونشر الذعر بين أفراد المجتمع الأمر الذي يُشكل ضغط اجتماعي على الحكومة الموجودة في البلاد وسياستها الداخلية والخارجية.

وبناءً على ما أشار إليه صاري كايا في مقاله، يتبين أن التفجير الإرهابي الأخير الذي وقع في إسطنبول يستهدف بشكل أساسي الاقتصاد التركي وخاصة قطاعه السياحي الذي يُعد من أكثر القطاعات الخدماتية الاقتصادية حيويةً في تركيا، وكما يرمي هذا التفجير إلى زيادة وتيرة الاضطراب والتفرقة بين المواطنين الأتراك الداعمين لرؤية تركيا الداعمة لللاجئين السوريين وثورتهم "العادلة" والمواطنين الأتراك المعارضين للسياسة الخارجية التركية التي يصفونها "بالتدخلية" التي لا تتمتع بالحيادية والعقلانية في التعامل مع التطورات الجارية في المنطقة، ويرون أن من الصواب اتباع الحيادية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويبدو أن مُخططي التفجير يرنون من خلال  هذا التوتر والتنازع من شأنه أن يؤدي إلى تشكيل ضغط على الحكومة التركية للتخلي عن خططها الخاصة في سوريا.

واعتمادًا على تحليل صاري كايا يتضح أن الهدف من التفجير هو إحداث نوع من الاحتقان بين المواطنين الأتراك والضيوف السوريين، إذ أن هوية المفجر السورية من شأنها أن تقلب الرأي العام التركي على الضيوف السوريين بوصفهم هم السبب في تدهور الأمن التركي، ولكن على صعيد شعبي عام وليس حكومي رسمي لم يتم رصد اتهام شعبي صريح لللاجئين السوريين على أنهم هم السبب في تلك التفجيرات الأخيرة.

ومن جانبه، يوضح الباحث السياسي "إيمرا أق أوز"، في مقاله "الرسالة لمن؟"، نُشرت في صحيفة "صباح"، بتاريخ 14 كانون الثاني/ يناير 2016، نقلًا عن وحدات أمنية عليا، أن الاستخبارات التركية كانت بحوزتها معلومات استخباراتية متعلقة بإمكانية استهداف داعش للمناطق السياحية أو لدور العبادة التابعة للأقليات الدينية، وفي هذا الإطار تم إلقاء القبض على شخصين منتميين لداعش في أنقرة، كانا على وقع لاستهداف أحد المساجد الجعفرية في أنقرة.

ويضيف أق أوز أن القوات الأمنية التركية بكافة وحداتها، كانت على رأس علمها المكثف للتقليل من احتمالية مثل هذه التفجيرات، ولكن تفجير إسطنبول تم من قبل شخص مُسجل على أنه لاجئ سوري، ولم يتم التأكد من هوية انتمائه الحقيقية، إذ دخل الحدود التركية على أساس أنه لاجئ سوري.

وفي سياق متصل، عبرت الكاتبة السياسة "مريم غايباري"، في مقالها "تركيا قلعة المظلومين الأخيرة" عن خيبة أملها الشديدة من موقف وسائل الإعلام الدولية والعالم الازدواجي تجاه الأحداث التي جرت في إسطنبول، مبينة ً أنه لو كانت أحد العواصم الأوروبية هي المستهدفة لهرعت وسائل الإعلام بكافة جنسياتها إلى مكان الحدث ولهرول كافة زعماء العالم لاستنكار الحدث والتعبير عن دعمهم الكامل للدولة المستهدفة، ولكن لم يحدث ذلك مع تركيا، لأنها تدعم المظلومين بإخلاص وجدية، وهذا ما يضر بمصالح ذوي التفكير البراغماتي البحت الذين يتعاطفون مع من يوازيهم بالتفكير، ويتركون من يخالفهم في ذلك ويرعى المصالح الإنسانية إلى جانب مصالحه.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!