محمود أوفور - جريدة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
واضح جدا استخدام داعش من قبل قوى داخلية وأخرى خارجية للعمل ضد تركيا. وسبب عملهم هذا معروف. وهو كسر تأثير تركيا التي وقفت إلى جانب الربيع العربي منذ أيامه الأولى.
الغرب بما فيه أمريكا وأوروبا بدأ بمتابعة أحداث الربيع العربي بحذر، لكن مع استلام حركة الإخوان المسلمين لحُكم مصر بإنشائها دولة مدنية، تغير أسلوب تعامل الغرب مع الربيع العربي.
وهذا هو سبب إيقاف الربيع العربي في سوريا، ولو تم الاستماع لمقترحات تركيا منذ بدء الأحداث، لًمَا قُتل هذا العدد من الناس، ولَمَا عشنا مشكلة اللاجئين، ولَمَا تكوّنت منظمة إرهابية تهدد المنطقة كلها كداعش.
لماذا اختار الغرب هذه الطريق؟ لأن المحافظين الجدد في أمريكا أخذوا بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية بصورة أساسية، لهذا لم يوافقوا على زرع الديمقراطية الحقيقية في المنطقة، لأنهم رأوا فيها خطر عليهم. وهذه الرؤية تطابقت مع مصالح دول الخليج.
يقول أحد المؤثرين المتخصصين في السياسة الخارجية التركية :"في البداية عمل الأمريكان بالتعاون مع تركيا، لكنهم أوقفوا الثورة المصرية في مراحلها المتقدمة، وبدؤوا بالنظر إلى التغيير الحاصل في المنطقة على أنه خطر يداهم مصالحهم. لأنه لو تحققت الديمقراطية في تلك البلدان، سيستلم السلطة فيها مجموعات وأحزاب قريبة جدا من الحزب الحاكم في تركيا، ومثل هذه الأحزاب في دول ديمقراطية لا يمكن لها أن تحافظ على علاقات جيدة مع إسرائيل، لأن الشعب سيرفض ذلك. ولو أن مرسي كان في حُكم مصر، هل ستستطيع إسرائيل استخدام مصر في حربها على غزة؟ هذا الأمر ينطبق أيضا على باقي الدول. لكن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الدول الأوروبية فضلت إيجاد أنظمة "نصف استبدادية" لحماية المصالح الإسرائيلية".
واليوم داعش الذي يهدد المنطقة هو في الأصل أحد منتجات ذلك الخيار الغربي، لأن عدم السماح بتطبيق الديمقراطية في الدول العربية مهّد الطريق لخروج منظمة إرهابية متشددة مثل داعش. والمنطقة تحتوي أصلا أرضية خصبة لخروج مثل هذه الجماعات بسبب السياسات الاستبدادية التي تمارس على شعوبها.
وضّح رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أثناء عودته من قبرص الشمالية رؤيته حول السبب الاجتماعي لتكوين مثل هذه الجماعات عندما قال :"محور سوريا-العراق يحتوي على 22 مليون سني، ولو أضفنا لبنان أيضا يصبح الرقم قريب من 25 مليون. والعراق تحتوي المالكي، وسوريا يسيطر عليها الأسد، ولبنان يضم حزب الله. 25 مليون سني يشكلون الأغلبية في المنطقة، لكن السنّة ليس لهم أي تأثير لا في سوريا ولا في العراق ولا حتى في لبنان، مستبعدون من المجتمع، لا يوجد لديهم جيش. ونحن حاولنا حماية السنّة من عملية الإقصاء في تلك المجتمعات، وعملنا على التعامل مع نظام الأسد بصورة معتدلة وإصلاحية، لكن الأمريكان لم يسمعوا تحذيراتنا مما يفعله المالكي والأسد واليوم رأوا النتيجة بأنفسهم".
مع أن أمريكا ترى وتسمع ما يجري، لكن الوضع ما زال معقدا وحساسا. باستخدامهم لداعش يريدون بدء عملية كبيرة في الشرق الأوسط لا أحد يعلم كيف ستنتهي. في كل لحظة قد تبدأ العمليات بالقصف الجوي من خلال استخدام إحدى دول التحالف ضد داعش.
هدفهم المعلن هو داعش، لكن لا يمكن التنبؤ كيف ستكون نتائج تلك العملية وتبعاتها على المنطقة. وأكثر المتأثرين بهذه العملية سيكونون أكراد هذه المنطقة وتركيا. ولهذا فإن على تركيا إدارة عملية السلام مع كردستان العراق وكذلك مع كوردستان السورية ومع حزب العمال الكردستاني بشكل ملائم ومناسب.
والسبب في أهمية عملية السلام، هو أن العملية ضد داعش لها هدف معروف أيضا وهو إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد. وسأقتبس ما قاله الكاتب "إلهامي إشك" :"التصريح الذي أدلى به أوباما حول الحرب ضد داعش، الذي يقول فيه أنه لا يوجد استراتيجية واضحة وأن الهدف الأساسي من العملية هو تحقيق الأمن في المنطقة من خلال حملة عسكرية من أربعة مراحل تعتمد على المعلومات الاستخبارية، هذا التصريح يوصلنا لقناعة مطلقة أن هناك لعبة ضخمة يخطط لها الغرب من خلال استخدام داعش".
وهنا يتبادر على الذهن فورا السؤال التالي :هل يريد الغرب الذي قسّم المنطقة قبل 100 عام، أن يعيق الاتفاق التركي-الكردي؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس