محمد حسن القدّو - خاص ترك برس

للوهلة الأولى يدرك المراقبون والباحثون أن قرار البرلمان الألماني بخصوص المزاعم حول حصول إبادة جماعية للأرمن من قبل الدولة العثمانية لم يكن موجها فقط ضد الأتراك وضد أردوغان شخصيا بل هي أرادت أن تصيب العلاقات التركية الألمانية والمستشارة ميركل شخصيا.

إن العلاقات التركية مع ألمانيا هي واحدة من العلاقات المتميزة مقارنة مع علاقاتها مع باقي الدول الأوربية وهي متميزة أيضا بالمقارنة مع العلاقات التركية مع دول العالم، ويعتبر الزعيمان أردوغان وميركل هما مهندسا هذه العلاقات المتميزة.

تشترك تركيا وألمانيا بعلاقة فريدة من نوعها ألا وهي احتضان الألمان لأكثر من ثلاثة ملايين من المواطنين من أصول تركية تم استقدامهم بعد توقيع اتفاقية بين الحكومة الألمانية وحكومة عصمت إينونو في نهاية أربعينيات القرن الماضي لغرض المساهمة بإعادة إعمارألمانيا الغربية في ذلك الحين والتي دمرت جراء الحرب الكونية الثانية ولذا تعد الجالية التركية من أقوى الجاليات الأجنبية في ألمانيا إضافة إلى أنها تنال الرضا والتقدير من الشعب الألماني.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدولتين هي أيضا في المقدمة حيث تبلغ ما يقارب من ثلاثين مليار في العام وهو رقم متقدم بالمقارنة مع العلاقات الاقتصادية التركية مع مختلف دول العالم، أما من الناحية الاستراتيجية والعسكرية فالدولتان حليفتان في حلف الناتو ولألمانيا قوات جوية في قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا.

تعد مسألة الاتفاق أو التفاهم الأوروبي مع تركيا حول اللاجئين من أكثر القضايا التي أثيرت في الساحة الأوروبية بين الزعماء والقادة والسياسيين، ويتهم معظم السياسين والقادة الأوروبيون المستشارة الألمانية ميركل بأنها هي من دفعت أوروبا إلى اتخاذ هذه الخطوة والتي يرون فيها تنازلات قدمتها ميركل إلى الأتراك، بل إن البعض يرون أنها إملاءات تركية على دول أوربا، رغم أن عدة فقرات من القرار لم تنفذ وخصوصا في مايخص رفع التأشيرات عن المواطنيين الأتراك عند رغبتهم بالسفر إلى أقطار أوروبا مع العلم أن قرار رفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك قد تأخر وحسب الاتفاق المسبق حيث كان من المقرر أن تبدأ منذ أكثر من سنتين ولكن المماطلات الأوروبية هي التي أجلت المصادقة على القرار.

وعلى هذا الأساس دفع القادة السياسيون الأوروبيون النواب الألمان إلى اتخاذ خطوة ترمي إلى عرقلة تقدم العلاقات مع تركيا وبالتالي تؤدي إلى نسف الاتفاقية الأوروبية التركية في حال إقرارها داخل البرلمان الألماني وحصول رد الفعل التركي عليها، وهي بهذا العمل تحرج المستشارة الالمانية أيضا في مساعيها الرامية إلى تطبيق كل بنود الاتفاق إضافة إلى وقف كل أنشطتها الرامية إلى تقوية العلاقات الأوروبية مع تركيا، بعدما امتنعت تركيا عن تنفيذ المطالب الأوروبية تجاه بعض الشروط الأوربية حول مسألة الإرهاب في سبيل السماح للأتراك بالدخول إلى الأراضي الأوروبية بدون تأشيرات الدخول.

ومن حيث المبدأ فإن المطالب الأوروبية التعجيزية لتركيا والتي أرادت منها أوروبا التنصل من الاتفاق في حال موافقة تركيا عليها كانت عبارة عن اختبار لمدى استعداد الجانب التركي لتقديم التنازلات لأوروبا والذي يقيم بالتالي مدى الحاجة التركية للانضمام إلى أوروبا، ولكن الامتناع التركي هو الذي أذهل الأوروبيين وجعلهم يبحثون عن ملجأ يدارون فيه خيبتهم. لأن من المعلوم أن أوروبا تبحث عن شريك مثل تركيا ولكن تريد شريكا بشروطها وإملاءاتها، وجاءت التغييرات التركية في الآونة الخيرة حول تغيير رئيس الوزراء والمطالبات بتغيير النظام البرلماني إلى نظام جمهوري من أشد العقبات أمام القادة الأوروبيين حول تنفيذ إملاءاتهم على الأتراك وخصوصا أن المحاور لا يزال هو رجب طيب أردوغان نفسه.

لكن بانتظار رد الفعل التركي حول القرار وكذلك نتيجة الاستفتاء البريطاني حول بقائها من عدمه في الاتحاد الأوربي تظهر جليا للعيان مستوى ونوعية مطالبات الاتحاد الأوربي من الأتراك أو ربما نوعية ومستوى مطالبات تركيا من الاتحاد الأوربي رغبة منهم في انضمامها إن بقت أوروبا موحدة في حال خروج بريطانيا منها ولم تعقبها دول أخرى على نفس المسار.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس