ترك برس

رأى الأكاديمي والكاتب السياسي السعودي "خالد الدخيل"، أن المملكة العربية السعودية والعالم العربي هما أكثر المستفيدين من فشل الانقلاب في تركيا، وأرجع سبب ذلك إلى أن محاولة الانقلاب أكد نهاية زمن المغامرات العسكرية.

جاء ذلك في مقال له نشرته صحيفة "الحياة"، حيث أشار إلى أن أكثر من أصابهم الإحباط من فشل الانقلاب على الحكومة التركية هو الرئيس السوري "بشار الأسد" وحلفاؤه في إيران، مشيرًا أنهم كانوا يأملون بأن إزاحة أردوغان بانقلاب عسكري سيأتي لهم بحليف يقلب موازين القوة لمصلحتهم، ومصلحة الانقلاب الذي يحاولون فرضه على الشعب السوري بقوة السلاح والميليشيات والدم

وشدّد الكاتب السعودي البارز على أن فشل الانقلاب في تركيا شهادة مدوية لمصلحة الدولة والشعب، والسياسة والمواطنة الحقة بأيديولوجيا الحرية في وجه ديكتاتورية العسكر والميليشيات وأيديولوجيتها الطائفية.

ولفت الدخيل أن فشل الانقلاب بالسرعة التي حصل بها كشف أن تركيا الآن تختلف عما كانت عليه في زمن الانقلابات حتى تسعينات القرن الماضي، مشيرًا أنه لم تعد سهلة الانقياد لنزعة عسكرية للاستيلاء على السلطة تحت شعارات زائفة، وأن "الحقيقة أنه حتى مساء الجمعة الماضية كان شبح الانقلاب يخيم ولو من بعيد على المشهد في تركيا. فظاهرة الانقلابات لها تاريخ طويل في هذا البلد".

وقال الكاتب إن "تجربته الديموقراطية لا تتمتع بمثل هذا التاريخ، ثم جاء مساء الجمعة ليدشن لحظة عبور تركيا النهائي كما يبدو إلى زمن الديموقراطية والعملية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، وبقاء الجيش مؤسسة خاضعة للسلطة المدنية وليس مصدر تهديد لها، والأهم في ذلك أن الشعب التركي أكد بموقفه أنه بات الرقم الصعب في العملية السياسية للحظة العبور هذه. بقي على أردوغان طبعاً وحكومته وحزبه أن يبرهنوا أنهم كما دشنوا مرحلة الديموقراطية، أن يكونوا أمناء على نجاحها ومستقبلها ثمناً لوفاء الشعب بما في ذلك المعارضة والمجتمع المدني، وكل مكونات الدولة".

وحول العوامل التي فشل الإنقلاب أوضح الكاتب السعودي أن نزول الشعب بهذه الطريقة كان العامل الأهم الذي صنع الفارق في ذلك المساء. لم يكن الشعب بنزوله واصطدامه مع الانقلابيين يدافع عن أردوغان وحكومته فقط. قبل وذلك وبعده كان يدافع عن حقه في تقرير مصيره، وعن صوته في تقرير مستقبله ومستقبل بلاده.

في الشكل فإن ما قام به الجيش هو انقلاب على حكومة أردوغان وحزبه. لكن في الجوهر هو اعتداء على الشعب، ومصادرة لصوته وهو الذي انتخب هذه الحكومة وجاء بها إلى الحكم. من هذه الزاوية يبدو من الواضح أن تحرك الشعب بالجرأة التي بدا عليها ينم عن وعي سياسي حاد، وإصرار على الدفاع عن مكتسبات تحققت له على مدى أكثر من عقدين من الزمن، وأنه ليس في وارد التسليم بمصادرتها على يد عسكريين يريدون الاستيلاء على السلطة، والعودة بتركيا إلى ماضي حكم العسكر وانقلاباتهم.

وأشار أنه إلى جانب العامل الشعبي هناك موقف أحزاب المعارضة. وهي أحزاب لا يمكن اتهامها بأنها كانت معارضة شكلية. على العكس، كانت شرسة في معارضتها. ومع ذلك وقفت ضد الانقلاب ليس حباً في أردوغان وحزبه، وإنما إدراكاً من قادتها بأن هذا الانقلاب ينهي التجربة الديموقراطية، ومعها ينهي صدقية الدستور ومرجعيته، وصدقية العملية السياسية برمتها، وبالتالي يضع حداً مظلماً لإمكانية ترسيخ التداول السلمي للسلطة، ما يشكل تهديداً لكل تركيا ومستقبلها السياسي، وليس لحكومة أردوغان وحدها.

وهذا موقف يعبر عن رؤية سياسية ناضجة. لم تتعامل المعارضة مع الانقلاب من زاوية سياسية ضيقة أو انتهازية. تعاملت معه بحنكة ومسؤولية لافتتين، وهو موقف يفرض احترامه وتقديره على الجميع. كان بإمكان هذه المعارضة أن تنحاز إلى الانقلاب نكاية بخصمها، وطمعاً بمكسب سياسي كان جاهزاً. لكن يبدو أن قيادة هذه الأحزاب تدرك بأن في مثل هذه الخطوة مكاسب شكلية وخسارة للجميع في نهاية المطاف.

وتابع بالقول إن هناك عامل ثالث لا يقل أهمية ساهم في فشل الانقلاب، وهو أن الانقلابيين (يقال إن غالبيتهم من صغار الضباط) لم يحصلوا على دعم واضح من المؤسسات العسكرية والأمنية. كان هناك انقسام واضح داخل هذه المؤسسة. فالقوات الخاصة أصدرت في اللحظات الأولى للانقلاب بياناً أعلنت فيه مساندتها للحكومة. قيادة الأركان لم تكن لها علاقة بالتنقلاب، ولذلك تعتقل التنقلابيون قائد الأركان ووضعوه في الساعات الأولى رهن الإقامة الجبرية.

ثم هناك أجهزة المخابرات والشرطة المحسوبة على الحكومة. لكل ذلك لم يتمكن التنقلابيون من حسم الموقف بسرعة لمصلحتهم. ومن المعروف أن عامل الزمن حرج جداً بالنسبة إلى الانقلابات العسكرية. فإذا لم تتمكن من حسم الموقف لمصلحتها في الساعات الأولى، فإنها تكون في عداد المحاولات الفاشلة.

وذهب الدخيل إلى أنه لا يمكن في هذا السياق تجاهل موقف المجتمع المدني وطبقة النخبة التركية. لم يندفع أغلب هؤلاء على الأقل مع الانقلاب كما حصل في الحالة المصرية قبل ثلاث سنوات. على العكس، رفضوا الانقلاب كخيار سياسي بغض النظر عن موقفهم من الحكومة. واللافت هنا أن بعض النخب في مصر بخاصة، ودول الخليج العربي وبعض أصوات "الممانعة" في الشام، استعجلوا في تأييدهم الانقلاب التركي تعبيراً عن تفكير بالتمني. والغريب التقاء هذه الأصوات المتناقضة في توجهاتها ومصالحها على هذا الموقف السياسي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!