علي بيرام أوغلو  - صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

عشنا في الأيام القليلة الماضية تناقضات داخلية عديدة متعلقة بعملية السلام، بعد الأحداث والتطورات الأخيرة التي حصلت في الشارع التركي، وقد كتبت التالي في مقالتي السابقة حول هذا الموضوع :

"أجبرت تركيا على اتخاذ حملة سياسية خارج حدودها بعد عدة متغيرات، أهمها فراغ السلطة الذي تعيشه سوريا، وكذلك سيطرة حزب العمال الكردستاني على كردستان السورية ومحاولة تطبيق حُكم ذاتي لهم هناك. هذا الوضع بالنسبة لتركيا قد عمل على تبخير السياسة الديمقراطية المتعلقة بعملية السلام مع الأكراد. ومن أول لحظة سيطر فيها حزب العمال الكردستاني على كردستان السورية حدث مشكلة جديدة وعنصر جديد في عملية السلام، فتركيا لم ولن تقبل بتطبيق سياسة حُكم ذاتي للأكراد هناك، وما زاد الطين بلة هو تعاون حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي مع بشار الأسد، لينفجر الوضع أخيرا في عين العرب (كوباني)...".

بكل تأكيد أنّ الأحداث الحاصلة تحمل تفاصيل هامة، تتعلق بمن يتحمل المسؤولية، ومن طوّر الأحداث، ولماذا، يهاجمون مَن، وما هي أهدافهم وما النتائج التي يريدونها، فهذه التفاصيل هامة.

كل النقاشات الجارية حاليا في تركيا تتركز حول هذه الأسئلة، فانتقاد أسلوب الحكومة في التعامل مع عملية السلام خصوصا في هذه المرحلة الحساسة، ورؤية سيطرة حزب العمال الكردستاني على كردستان السورية كتهديد، والتصرف بناء على ذلك، وكذلك التعامل مع هذه القضية بصورة ديمقراطية وبثبات سياسي أيضا مسائل هامة يجب علينا العمل عليها. لكن هذه المواضيع لها حدود لذا علينا التعامل معها بصورة متزنة.

لا شك أن مثل هذه النقاشات تقود البعض إلى اتخاذ مواقف حادة، هذه المواقف تدفع أصحابها إلى التحدث بأسلوب الانتقاد السلبي دوما، وهذا لا يفيد بتحسين وضع النقاشات بقدر ما يؤدي إلى تأجيج الناس في الشارع، ويقود إلى استمرار الاضطرابات أكثر فأكثر. فإلقاء المسؤولية على طرف واحد فقط، سيؤدي إلى صب الزيت على النار بدلا من محاولة تهدئة الوضع القائم حاليا.

في الفترة بين العامين 1978-1980 وفي أثناء موت وقتل الآلاف في تركيا، كانت النقاشات حينذاك حول مَن يتحمل المسؤولية ومَن المذنب، وتحولت إلى صراعات بين مَن هو على حق ومَن هو على باطل، وهذا ما شكل الإطار الخارجي لموت الآلاف حينها. وعندما ننظر إلى الأحداث الجارية حاليا وكيف يدور النقاش حولها لا نجد سوى أنها نقاشات تؤجج العنف القائم.

يجب عدم تجاهل "النقاشات المسئولة"، التي تشير إلى تحمّل عدد من الأطراف لسؤولية الأوضاع الراهنة، وباتجاهات مختلفة، ومن زاويا متنوعة.

لقد قلنا أننا نعيش "اصطداما" حقيقيا في عملية السلام، فتركيا تتعامل مع موضوع سيطرة حزب العمال الكردستاني على كردستان السورية بشكل منفصل عن عملية السلام، بينما يحاول الأخير أن يقود عملية السلام إلى مرحلة حساسة يشكل الاصطدام فيها عنوانا أساسيا بين الطرفين من خلال تصرفاته وسياساته في تلك المنطقة التي يسيطر عليها.

المسؤولية تقع على عاتق كل سياسي رأى ويرى هذا التصادم، وبرغم مشاهدته ومتابعته وإدراكه لهذا الاصطدام الحقيقي لم يحاول أن يمنعه أو أن يقلل من حدته، هؤلاء هم مَن يتحملون المسؤولية. وعلى رأس ذلك، اللغة المستخدمة من قبل حزب العمال الكردستاني وكذلك الأعمال التي يقوم بها. يليها بعد ذلك لغة الحكومة وعجزها السياسي.

الأوضاع توقفت عند هذا الحد، لأن حزب العمال الكردستاني قد انسحب، وسحب شبابه، بينما فتحت الحكومة مجددا فرصة الحوار، واقتنعت بأهمية القيام بهذا الأمر. وما يتعلق بموضوع عين العرب "كوباني" فقد حصل أيضا تحسّن هناك. لكن ماذا بعد ذلك؟

علينا أن لا نيأس أبدا، لأن حل مشاكل معقدة مثل هذه لا يمكن أن يسير وفق خط مستقيم، فالتطورات الأخيرة أجبرت منظمة حزب العمال الكردستاني وكذلك الدولة التركية على معرفة حدود كل منها، وهذا أمر مهم.

فنعتقد هنا أن المنظمة الكردية قد رأت مخاطر الفوضى التي حاولت القيام بها، والمخاطر الحقيقية التي من الممكن أن يتعرضون لها في حال فكروا بالقيام بما تقوم به بعض المنظمات الأخرى مثل حزب الله، من إقحام العساكر في اللعبة، ومحاولة فرض ما تريد بقوة السلاح.

والدولة أيضا رأت مخاطر الوقوف في وجه الشعب. فما نسبته 70% من سكان جنوب شرق البلاد قد نزل إلى الشارع، منهم من احتج على مسئولي البلديات ومنهم من احتج على مسئولي الدولة ومنهم من احتج على استخدام القوة والعنف.

حان الآن موعد تجديد المواقف للطرفين، من أجل تأسيس حالة جديدة من التوازن، فالمسؤولية الأهم تكمن هنا، وستبقى ضمن هذا الإطار، إطار خلق توازن جديد وبدء مرحلة جديدة.

عن الكاتب

علي بايرام أوغلو

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس