محمود أوفور – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

لا شك أن الربيع العربي الذي بدأ في تونس، وامتد في الشرق الأوسط، قد غيّر العديد من قواعد اللعبة في المنطقة. فحتى لو أن الربيع العربي عاش مراحل من مد وجزر لكنه كان يهدف في الأساس لترسيخ الديمقراطية في المنطقة.

الشعوب كانت تريد التغيير، لكن الأنظمة القائمة والقوى العالمية لم ترد ذلك، والآن يريدون إيقاف أو تأجيل عملية التحوّل الديمقراطية من خلال الانقلابات العسكرية والحروب والنزاعات الداخلية.

وسبب رفض القوى العالمية لهذا التغيير يعود إلى إيمانهم بأن ترسيخ الديمقراطية في المنطقة سيؤدي إلى ظهور قوى جديدة تدير الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار رأينا وسمعنا العديد ممّن يقول لتركيا التي وقفت إلى جانب التغيير في المنطقة "ما سبب تواجدكم هناك؟ ما هي أهدافكم؟"، وما تعرضت له تركيا فيما بعد كان بسبب موقفها الثابت تجاه شعوب المنطقة.

أريد منكم فقط أن تنظروا إلى المشهد الذي حدث بعد احتلال داعش للموصل في تاريخ 10 حزيران 2014، لتحاولوا الإجابة عن هذا السؤال : لمصلحة مَن كان ظهور داعش بهذه الطريقة في فترة زمنية قصيرة؟ وضد مَن كان ذلك؟

لو نظرنا من جميع الأسباب المحتملة، ومن مختلف الجهات، سواء أكان ظهور داعش بسبب الظلم الاجتماعي، أو لكونها مشروع غربي، أو لأي سبب آخر، فالنتيجة واضحة جدا، وهي أن المستفيد الأكبر من الإرهاب الذي تمارسه داعش في المنطقة، هو نظام بشار الأسد الذي قتل ما يزيد عن 200 ألف مواطن. فوجود داعش يعتبر عنصر ضمان لبقاء نظام الأسد قائما، وهذا الأمر ينطبق أيضا على كل من إيران و"اسرائيل".

بينما الحكام العرب المستبدين، وعلى رأسهم قائد الانقلاب العسكري في مصر، عبد الفتاح السيسي، غير منزعجين إطلاقا من بقاء داعش. أما القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية المتحكمون بمصادر الطاقة في المنطقة، فهم مسرورون من الاضطرابات القائمة حاليا.

وهذا ما يشير إليه عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة كـ"منقذ" لشعوبها، فقصفهم لداعش في إربيل أولا ثم في كوباني لم يكن مجرد عملية فارغة، بل أرادوا أن يظهروا أنفسهم كأنهم هم من أنقذ الأكراد ليحصلوا على تصفيقهم وموالاتهم.

والآن دعونا نأتي لقائمة الدول المتضررة من ظهور داعش في هذه الفترة الزمنية القياسية، لنذكر على رأس القائمة شعوب المنطقة وتركيا. فمَن هم الذين تعرضوا للقتل والطرد واضطروا للجوء؟ الأكراد، التركمان، اليزيديون والعرب.

وتركيا كانت هي الدولة المحتضنة لكل هؤلاء اللاجئين، معرضة نفسها لمسؤولية كبيرة من هذه الناحية، وحتى أنها قد تتعرض للخطر المحدق إذا ما تطورت الأحداث الحالية لتجعل تركيا في مواجهة مباشرة مع الأكراد باستغلال الأحداث الجارية في اربيل وكوباني.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن "عملية السلام" التي لم تشهد أي توترات ولم يقتل أي شخص على مدار عامين سابقين، أصبحت اليوم عرضة للانهيار، فبدأت الاضطرابات والاحتجاجات التي  دمرت الممتلكات العامة وتسببت بمقتل 40 شخص. هل يوجد ضرر أكبر من ذلك؟

مع كل هذا ما زالت بعض الأطراف الداخلية والخارجية تتهم تركيا بأنها تدعم داعش، وما زالت الحملة الدعائية الضخمة ضد تركيا مستمرة.

ومن الواضح أن الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية قد تأخر جدا بشرح هذه الأحداث لشعب تركيا. ربما لو شرح ذلك لحدثت نفس الأحداث، لكن لم يكن لها أن تسبب جرحا عميقا كما حدث.

وفعليا هذه الأحداث والتطورات تشكل امتدادا لأحداث "الغزي بارك"، وأحداث 17-25 كانون أول/ديسمبر، فكل هذه الاضطرابات كان هدفها المشترك، الإطاحة بحُكم حزب العدالة والتنمية.

حاول العلويون والعلمانيون بعد فشلهم في أحداث ديسمبر، الانتقال إلى دعم "التنظيم الموازي"، لكنهم فشلوا مجددا. فالحكم القائم على دعم الشعب، وبالإرادة السياسية القوية، تجاوزت الدولة والحكومة التركية تلك الأزمات، لكنهم اليوم يحاولون خلق أزمة جديدة باستخدام ملف الأكراد، وسنتجاوزها إن شاء الله، والواضح أن هذه المحاولات لن تنتهي.

لن يستطيعوا أن يحققوا أهدافهم من خلال زرع الكراهية والحقد بين أطياف الشعب التركي ككل، لكن علينا أخذ الحيطة والحذر. ولا شك أن كل المحاولات التي يقومون فيها يسعون من خلالها لإدخال البلاد في أزمة اقتصادية، لذا علينا أن نكون واعين وحذرين.

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس