محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

الموهبة هي قدرة وهبها الله الخالق سبحانه وتعالى للبعض وهي متنوعة ومتعددة في خلقه، والإبداع عملية ذاتية متجددة تحقق الأصالة والحداثة، وبين الموهبة والإبداع مماثلة متجانسة باعتبار أنهما يؤديان إلى فائدة عامة مع اختلاف بينهما باعتبار أن الموهبة مرتبطة بأصل جيني، وكما ذكرنا متنوعة ومتعددة والإبداع يرتبط دوما بتصور يسمو فيه العقل إضافة إلى المكتسب من التجارب التي تنشئ في البيئة التي يعيش فيها هذا المبدع، وهنا تتوضح مسألة أخرى مرتبطة بين الموهبة والإبداع وهي الأصالة والتي تعني عدم تكرار الأفكار أو المعاني.

في لقائنا مع الباحث الأكاديمي الدكتور ياسين يحيى، لا بد أن نستذكر بأن الدكتور ياسين كان موهوبا فقد صدحت حنجرته بأعذب الألحان التركية التي لحنها بنفسه، وكانت تلك الأغاني والألحان تنتشر كانتشار النار في الهشيم، وترددها الأجيال جيلا بعد جيل. وكانت تلك الأغاني والألحان عبارة عن اصطفاف ضروري في قافلة الحياة التي كنا نعيشها. وإلى جانب موهبته في الغناء كان ضيفنا يمتلك منذ الصغر موهبة الشعر فكان يكتب الشعر الحديث باللغتين العربية والتركية ويبدع بهما، وهذه أيضا من الحالات النادرة في مسيرة الشعراء لاختلاف التفعيلة الشعرية في اللغتين، كما امتلك موهبة ترجمة قصائده من العربية إلى التركية والعكس بالعكس.

لكل إنسان في حياته مراحل جميلة وميسورة وأخرى صعبة ولكن تلك المراحل قد تكون الجميلة أو الصعبة ربما تكون خارج وسع الإنسان كأن تكون الظروف القاهرة أو الظروف الميسرة هي التي تتحكم فيه، والفنان ياسين يحيى ترك التربع على عرش الغناء التركماني في سبعينيات القرن الماضي ليتسلق صرحا آخر وهو صرح البحث الأكاديمي الذي أخذ منه جل وقته فنال شهادة الماجستير ثم الدكتوراه في التطوير المعرفي، وانشغل مع طلابه في جامعات بغداد والمستنصرية ثم غادر كغيره ولم يستقر في ترحاله فبين اليمن ولبنان وغيرها من البلدان حاملا كتبه وهمومه، وأبعدته عن مواهبه وإبداعاته، ولكنه لم يفارق شعره وقصائده، وارتباطه الوثيق بوطنه يتجلى في معظم قصائده فحبه الأول وطنه.

أهواك، يا وطن البقاع الغارقات 

في الثرى عبر السنين 

أهواك والألم الذي يطوي الحنين 

من الحنين... 

بداية دكتور نسأل ماهي الحداثة بشكل عام؟

كل شيء إلى التجدد ماض، شئنا أم لم نشأ، أنا مع التجديد لأن الحياة في تغير وتطور وتجديد، المشكلة عندما يتمكن اللامعقول ويقود الواقع.

الشعر والرسم والموسيقى من نتاج الإبداع والموهبة والعبقرية، اليوم التكنولوجيا هي الرائدة في القيادة ولا ندري إلى أين تقودنا هذه التكنولوجيا، ماذا تقول في الفن والجمال والإبداع لهذا الجيل؟

إن وصول الفن إلى قمة الإبداع كان من نتاج مبدعين ضمن معايير الجمال وقيمه. الإنسان يتوارث معايير الجمال لأنها من كمال الخلق والتكوين وروعة الطبيعة التي تتجدد وتتنوع ضمن قوانينها الثابتة.

رسالة الفن سامية ولا يخفى على أحد ذلك، لأن الفن شجرة شامخة مثمرة، أغصانها باسقة وجذورها متوغلة في التربة تبحث عن النقاء من الماء وأغصانها النقاء من الهواء لكي تعطي ثمارها الشهية وتزيد الطبيعة روعة وجمالا.

الفنان الأصيل كالشجرة الباسقة يختار كل جميل وجيد لأن رسالة الفن مقدسة سلاحها الحب والسلام، وعلى الفنان أن يكون أهلا لحمل الرسالة.

اللوحات المقلوبة والألوان المتسخة التي لا تمت بصلة إلى الحياة، تُفقد المشاهد توازنه وكذلك الكلمات المتهرئة التي تضيع بين معانيها وتناقضاتها والألحان التي ليست لها علاقة بالكلمات والتي لا تمت بصلة إلى تلك المعاني حيث تضيع المستمع وتبعده عن انتمائه الذوقي التاريخي الأصيل، ناهيك عن الأصوات.

قبل عام حضرت مهرجانا للأغنية الشباببة، صفق الجمهور لأغنية، كانت المغنية تقلد صوت حيوان في أدائها، وكان الصوت عاليا أقرب إلى التعذيب منه إلى المتعة، إنه تغير معالم الجمال إلى معالم القبح وأعتقد أننا لسنا بحاجة إلى ذلك أبدا.

كأديب وفنان وشاعر وإنسان أوجز لنا الحب في حياتنا؟

الحب كلمة خلقت مع الإنسان ولربما قبله، وما أروعها من كلمة، تبقى دلالات الكلمة سامية لأنها سامية. الصفاء من سمة السماء والسمو من سمة الأخلاق ومن سمات المحب سمو الأخلاق، إن أحببت فأنت راقٍ لأن الرُقي سمة المحبين. ومن منا لم يحب؟

أحببتُ السماء

أحببتُ القمر

أحببتُ النجوم

أحببتُ المطر

أحببتُ الجمال وعذب الوتر

فداعب قلبي نسيم الحياة

ما هو الحب؟ هل الحب حياة أم الحياة حب؟ أستشهد بقول الشابي:

إن الكون حي يحب الحياة ويكره الميت مهما كبر

فلا الأفق يحضن موتى الطيور ولا النحل يلعق موتى الزهر

الحب حياة.. هل الحب حياة؟ أحببت الحياة لأن فيها نفسي ومن أحب، والدتي ووالدي:.. الحب هو نحن .. ما هو الحب؟ الحب هو أن تنظر للآخرين كنظرتك إلى نفسك ويكبر معك وتكبر معه. ولكن لماذا نكره؟ الحقيقة لا أستطيع الاجابة على هذا التساؤل لأنني لا أريد أن أكره. إلى الذين يكرهون: جربوا الحب ولو مرة واحدة وستجدون أن الله وعباده يملؤون قلوبكم سعادة. أريد أن أبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا قادرين على الحب، دون أن يدركوا أنهم يموتون إذا توقفوا عن الحب، يموتون وهم أحياء. الحب حياة والحياة حب، فلنحب بعضنا بعضًا. هذه القلوب الصغيرة تكفي أن تحب العالم كله...

وهل هذه فلسفتك في الحياة؟

فلسفتي في الحياة أننا نستطيع أن نعلم الحب، فإذا عملنا من أجل ذلك استطعنا أن نبني صرحا لأمتنا وأهلنا وبلدنا وللإنسانية جمعاء، فالحب هو من أقوى الدوافع البشرية، عندما ينمو ويكبر.

كيف نعبر عن الحب إذا كانت كلماتنا لا تسعفنا؟

هناك لغة تسمى بلغة الجسد. ماهي هذه اللغة؟

لغة تواصل غير لفظي - شعوري ولا شعوري - تعتمد على التعابير والحركات التي تستند على ردود أفعال الجسد عند التواصل مع الغير عن طريق الحركات اللاإرادية البسيطة والإرادية المقصودة.

من خواص لغة الجسد أنها تسبق اللغة اللفظية عند التواصل وتُظهر ما يفكر به الشخص ولا يريد البوح به باللغة المنطوقة، أي أن لغة الجسد هي تلك الحركات الشعورية واللاشعورية للجسد ترمز على علامات مرئية لردود أفعالنا أو لما نخفيه من دوافع ومشاعر يمكن من فهم الشخص من خلال مصطلحات الجسد والمتضمنة  في علم لغة الجسد.

إذن لغة الجسد علم يسمح لنا بتفسير المشاعر الصادرة من مخاطبينا وفهمنا لهم ومقدرتنا على  تفسير مشاعرهم وأحاسيسهم والقيام بالاستجابة المناسبة لها.

ولذلك ينبغي إدراك الآتي:

- مصافحة الأيدي ببرود تعني قلة الاهتمام بالطرف المقابل أو الشخص المقابل.

- الشد بقوة على الأيدي عند مصافحة الشخص الذي تصافحه ربما يشعر بعدم الراحة. 

- التململ والتثاؤب ينقلان العدوى. عندما تتململ أو تتثاءب سيشعر ممن هم حولك بالإحباط والعصبية والرغبة في الرحيل. 

- النظر إلى الساعة بين الفينة والأخرى علامة ضجر أو ملل أو عدم اهتمام بالآخر.

النظرات المسدلة لا تساعد على التواصل الفعال، لا تجعل نظراتك مسدلة أو مكتئبة أبدا التخاطب بالعيون واجعله قائما طول الوقت. وإذا كنت من الذين يلبسون النظارة الطبية فلا تنظر للآخر من فوق قمة نظارتك لأن ذلك يعني عدم التصديق لكلامهم.

إذن أردت أن تكون قصائدك معبرة عن مشاعرك ولم تكن خطابات؟

القصيدة بالنسبة لي أداة أردت أن اكتب وأعبّر عن مكنونات نفسي فيها أدعو الآخرين بطريقة يحبونها، فالقصيدة تحمل لحنها أينما ذهبت لتكون ضيفا مرغوبا بها بالرغم أن القافية تحددنا أحيانا إلا أنها تضعنا في عالم تعبّر فيه العواطف عن طريق الالتحام بعالم مليء بالفن والحب، أقول:

أستمطر الشوق إلى مقلة

 يهزني فيها الدجى كالبريق

وأرتمي في ظل نشوتها   

 كحالم يأنس صمت الطريق

هذه القصيدة تشبه إلى حد بعيد قصيدة ميخائيل نعيمة الصامتة المدوية والتي سماها الأديب الناقد أحمد مندور بالأدب المهموس (أخي في الشرق)، ولكن ماذا تقول لمحمود درويش عند يأسه من استحالة رجوعه إلى وطنه... (ترانا هل نحتاج إلى وطن جديد أم تراه وطننا من يحتاج إلى شعب جديد؟).

الجواب التمهيدي نحن بحاجة إلى الاثنين... كيف؟

الوطن بحاجة إلى شعب جديد. وفي. مخلص. متفانٍ. محب 

والشعب بحاجة إلى وطن جديد لم تفسد أرضه أفعال المفسدين... إذن محاربة الفاسدين تطهير للوطن.

هل تطهير الوطن مقدس؟

نعم وإلا لم كل هذه الطوابير من العلماء في بوابات الحدود وصالات المطارات، هل رأيتم وطنا ينزف بالعلماء لولا المفسدين.

 هل تعاني الغربة؟

نعم أعانيها.

ماذا تقول عن هذه المعاناة؟

أقول أبياتًا من قصيدة كتبتها بالتركية وترجمتها إلى العربية.

حنظل في الغربة طعم الحياة

لا قريب يؤنس وحدتنا 

فهنا في الغربة الكل غرباء...

هل لا زال وطنك مجهولا لم يكشف عن وجهه الجميل الحقيقي نعم وأنا كتبت

إلى حبيبتي الجميلة بهذه الكلمة أريد أن أصفها وأعتقد أنها كافية، ربما إن قلت رائعة نقية وبهية وأزيد من كلمات الوصف والثناء إلى ما لا نهاية ستبقى كلمة جميلة، الوصف المناسب لها.

إلى حبيبتي الجميلة التي لا أعرفها والتي علمتني أن أكون إنسانا وشاعرا وفنانا محبا لكل كائن جميل.

ربما لا يصدق البعض كلماتي أو يطلب مني تفسيرا أو يسأل، كيف علمتك أن تكون إنسانا وشاعرا وفنانا محبا؟ كيف؟ وأنت لا تعرفها وتصفها بهذه الأوصاف؟ 

هي كذلك، أنا لا أعرفها. نعم...

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس