
إبراهيم قراغول - يني شفق
تشكل إسرائيل واليونان وإدارة قبرص الرومية، ومعها في الداخل حزب الشعب الجمهوري، تحالفًا وجبهة ضد تركيا. فالبنية العسكرية المشتركة والاتفاقات الأمنية التي تواصل هذه الدول تنفيذها منذ سنوات في شرق البحر المتوسط وبحر إيجة، تتخذ الآن طابعًا أكثر جوهرية، إذ تستهدف تركيا من الداخل عبر استخدام حزب الشعب الجمهوري.
هذه الدول تهاجم تركيا من البحر المتوسط وإيجة، بينما يهاجمها حزب الشعب الجمهوري من الداخل. أوزغور أوزال مجرد دمية، لا يملك جملة واحدة من صنعه، لا رأي له، لا فكر، لا وعي وطني أو انتماء قومي. لا ولاء له لتركيا. ينفذ ويكرر ما يُملى عليه. لا يملك القدرة على استيعاب لعبة القوة الإقليمية هذه.
حزب الشعب الجمهوري يُسحب إلى محور "التدخل الخارجي":.. هذه قضية أمن قومي وخيانة
يُسحب حزب الشعب الجمهوري بسرعة إلى محور الإرهاب ومجال التدخل الخارجي. وإذا كان الحزب على دراية بكل هذا، فالأمر ليس متعلقًا بالسياسة ولا بالجهل، بل هو متعلق مباشرةً بالأمن والاستخبارات والخيانة. وكما سبق أن جُرّ حزب سياسي كحزب الشعب الجمهوري إلى محور تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، ها هو يُسحب اليوم إلى محور إسرائيل واليونان. وفي كلتا الحالتين، يُستخدم في حرب ضد تركيا.
في صورته الحالية، يُستخدم حزب الشعب الجمهوري من قبل إسرائيل واليونان كـ"سلاح داخلي" ضد تركيا. وفي مقابل التوتر الحاصل بين تركيا وإسرائيل بشأن سوريا، طوّرت إسرائيل سلاحًا بديلًا ضمن "النموذج الإسرائيلي"، وتستخدمه الآن. إنها عملية "انتقام" تُنفذ من الداخل ومن البحر المتوسط.
خيانة الوطن تحت ستار "أتاتورك"
وقد تم تنظيم فرع هذا التحالف في جمهورية شمال قبرص التركية كذلك. بدأ الأمر بحظر الحجاب في المدارس، وتم تحريك مشاعر العداء للدين والإسلاموفوبيا تحت غطاء "أتاتورك". وقد بدا وكأن جدل "العلمانية" يُنقل إلى شمال قبرص، لكن سرعان ما ظهر الهدف الحقيقي: تحولت القضية إلى تحدٍ علني وعداء لتركيا وصل حد قول "تركيا المحتلة، ارحلي عن قبرص".
كما أن حزب الشعب الجمهوري يُموضع في الداخل كـ"تهديد داخلي" من خلال قناع أتاتورك، فإنهم في شمال قبرص التركية يُنظّمون تحت قناع أتاتورك كبنية "احتلال داخلي". الحزب وهؤلاء جميعًا يخدمون إسرائيل، وقبرص الرومية، واليونان.
تمامًا كما هو الحال في الاتفاقات الإسرائيلية اليونانية في بحر إيجة، فإن تحويل إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا لقبرص الرومية إلى قاعدة عسكرية خلال مجازر غزة بدأ يُثمر نتائج واضحة في شمال قبرص. لقد كانوا يعدّون لذلك منذ فترة، وكانوا ينظمون هذه الجبهة.
حرب الصين–الولايات المتحدة قد تؤدي إلى نزاعات مسلحة
لهذه التطورات أبعاد تتجاوز إسرائيل واليونان. فالتغيرات في توازنات القوى العالمية التي نتابعها منذ فترة طويلة، والتحولات في معادلات القوة، تسارعت بفعل الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، ما أحدث تغيرات جذرية في شرق المتوسط وتركيا والشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى.
تشهد خطوط الصدع الجيوسياسية زلازل صادمة متتالية. ومن المرجح أن تتحول هذه التوترات إلى صراعات ساخنة، إذ إن التاريخ لطالما سار بهذا الاتجاه. فقد كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية نتيجة مباشرة لذلك.
وإذا استمر التصعيد بين الولايات المتحدة والصين، فقد يؤدي إلى نزاعات خطيرة وتغييرات في الخرائط الجغرافية في تايوان ومنطقة آسيا–الهادئ، وحتى في منطقتنا. إسرائيل معروفة بطموحاتها الإقليمية. أما دول مثل اليونان وقبرص الرومية، فإنها تبحث لنفسها عن موطئ قدم في هذه المرحلة، وتستخدم القوة الإسرائيلية، وتنظم سلسلة تحالفات جديدة ضد تركيا.
أثينا قد تخسر جزر بحر إيجة خلال أسبوع، والعقل الإسرائيلي يقودها إلى كارثة
إعلان اليونان، مؤخرًا، عن خريطة "التخطيط البحري المكاني"، والتي تُعتبر خطوة تمهيدية لإعلان منطقة اقتصادية خالصة، يُعد محاولة لإغلاق بحر إيجة بالكامل أمام تركيا، بل وربما إغلاق بوابات المتوسط عبر جزيرة كاس ميس. هذه الخطوة هي الثانية بعد تحويل قبرص الرومية إلى قاعدة عسكرية وتنظيم الأحداث في شمال قبرص التركية.
هذا التفكير يعكس تمامًا "العقل الإسرائيلي" وهو انتقام مباشر ضد تركيا. إذ فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها في سوريا، ولم ينجح خطاب التهديد، ولم تستطع إيقاف تركيا. لذا دفعت اليونان إلى الواجهة وتحاول جرّها إلى مواجهة مع تركيا. لكن على إسرائيل أن تدرك أن قدرات أثينا لا تؤهلها لذلك. ويجب على اليونان أن تفهم أنها، بسبب هذا التفكير الغبي، قد تخسر جزرها في بحر إيجة في غضون أسبوع فقط. فالأمور تجري هكذا.
خيبة أمل تركية حول المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والجمهوريات التركية
في ظل صراع القوى بين الصين والولايات المتحدة، تجد أوروبا (الاتحاد الأوروبي) نفسها وحيدة، وتبحث عن مسار جديد في هذه الحركية العالمية الكبرى. لذا عليها أن تلتفت جيدًا لأولويات إسرائيل واليونان.
الاتحاد الأوروبي، الذي بات يطلب شراكات دفاعية مع تركيا في جميع المجالات، يرى في تركيا الشريك الأكثر ملاءمة للعودة إلى مسرح القوة العالمي. لهذا السبب تم تسريع مشاريع "الممر الأوسط" الممتد من الصين إلى آسيا الوسطى، فالأناضول، ثم المتوسط وأوروبا. وقد بدأ الاتحاد الأوروبي في البحث عن مصادر قوة في هذا المجال بالذات.
وفي هذا السياق، جلس مؤخرًا مع الجمهوريات التركية على طاولة المفاوضات، ووعدها بدعم اقتصادي. لكن ضيق أفق الاتحاد الأوروبي دفعه، ومعه هذه الدول، إلى ارتكاب خطأ جسيم. إذ طُلب من هذه الدول تقديم تعهدات بعدم الاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية، وهو ما تسبب في خيبة أمل عميقة في تركيا.
قد تواجه آسيا الوسطى خيبة أمل... الاتحاد الأوروبي لا يستطيع حماية أحد
هذا الموقف يؤكد أن الاتحاد الأوروبي لن يجد "المسار الصحيح" ضمن الهيكلة الجديدة للقوى العالمية الناتجة عن الصراع الصيني–الأوروبي. ربما تكون الجمهوريات التركية قد انحازت إلى الاتحاد الأوروبي بدافع الطمع في قوته وماله، لكنها بذلك قدمت له ما أراد. إلا أن الاتحاد الأوروبي لا يمتلك القدرة على حماية أي دولة، بل لا يستطيع حتى حماية نفسه.
إذا حاولت هذه الدول اعتبار الاتحاد الأوروبي بديلاً للقوة في مواجهة تهديدات روسيا وخطر الصين في آسيا الوسطى، فإنها – في رأيي – ستواجه خيبة أمل كبيرة.
كان بإمكان هذه الدول تعزيز تضامنها مع تركيا، وفي الوقت ذاته تعميق علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. كان هذا ممكنًا، وما زال كذلك.
الممر الأوسط هو حزام القوة والثروة... لكنه يحتاج بعض الحذر
الصراع الصيني–الأمريكي يجعل من الضروري تسريع وتعزيز "الممر الأوسط" بسرعة. فالممر الممتد من الصين إلى أوروبا يفتح آفاقًا كبرى من الفرص والثروات أمام آسيا الوسطى وتركيا وأوروبا. وربما يكون هذا الخط هو ممر التجارة الأهم في القرن الحادي والعشرين. وعليه، يجب تقوية هذا الممر دون المساس بمناطق التوتر داخل الإقليم وعلى امتداد الحزام. ومن الواضح أن هذا الممر لا يمكن أن يقوم دون تركيا. من الواضح أن تركيا تدعم تقارب آسيا الوسطى وأوروبا.
وقد كانت تجهّز بنيتها التحتية واللوجستية منذ سنوات لهذا الهدف. وتنظر تركيا إلى هذا الممر ليس فقط كمجال اقتصادي، بل كمجال شراكة إقليمية في القوة. وهذا هو ما يُبنى عليه "الحزام الفائق".
كل هذا بدأ مع التصعيد التركي–الإسرائيلي! هل هناك عملية تخريب متعمّدة؟
من اللافت أن هذه التطورات السلبية بدأت بالتزامن مع التغيير في الإدارة السورية والتوتر المتصاعد بين تركيا وإسرائيل. ويُلاحظ أن كلًا من الاتحاد الأوروبي والجمهوريات التركية بدأت تأخذ مسافة من تركيا فيما يخص العلاقة مع إسرائيل. وقد تجلّت هذه البرودة في قضية قبرص التركية، كما ظهرت ملامحها في المفاوضات الجارية بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي.
وهذا يدفعنا للتساؤل: هل تملك إسرائيل القدرة على تخريب "الممر الأوسط"؟ أو إضعافه، أو إبطاء تقدمه، أو حتى إثارة صراعات داخلية وتأجيج الانقسامات فيه؟
يبدو أن هناك مشاريع تُجرى في هذا الاتجاه حاليًا. كما أن إسرائيل، التي تدير عمليات "الانتقام من تركيا" من جهة بحر إيجة والبحر المتوسط، تحاول اليوم تنظيم الجبهة الآسيوية من هذه الخطة. فهل هي تسعى – كما استخدمت اليونان وقبرص الرومية – إلى استخدام الاتحاد الأوروبي سلاحًا ضد تركيا في آسيا الوسطى؟
هذه تساؤلات خطيرة، وإجاباتها مهمة. فإسرائيل لا تملك القدرة على إعادة تشكيل هذه المناطق، لكنها تملك دائمًا القدرة على تخريبها. فالواقع أن "الممر الأوسط" يمثل أولوية بالنسبة إلى الصين أكثر من الولايات المتحدة. وإذا كان هناك بالفعل مسعى لتخريبه، فهل تُستخدم فيه القوة الأمريكية؟ يبدو أن الاتحاد الأوروبي والجمهوريات التركية، من خلال الدور الذي يضطلعون به، يفقدون مكانتهم المركزية ويُدفعون إلى أداء دور ثانوي. لكن تركيا تعرض على كل الفاعلين دورًا مركزيًا. وتضييع هذه الفرصة بسبب أولويات إسرائيل سيكون خطأ تاريخيًا فادحًا.
مخطط جديد يُحاك ضد تركيا... لكن هذا المخطط لن ينجح
لقد رسمت إطارًا واسعًا للمشهد. حاولت توضيح أن ما يحدث في الداخل إنما هو امتداد لتحركات خارجية، وأنه ثمرة أجندات قوى أخرى.
في هذا السياق، فإن الدور الذي يُسند لحزب الشعب الجمهوري داخل تركيا يُشبه الدور الذي تضطلع به إسرائيل في المنطقة، تمامًا كما هو الحال مع اليونان. فالعلاقات التي تربط المتظاهرين في شمال قبرص التركية بإسرائيل واليونان باتت مكشوفة.
ثمة محاولات لترتيب لعبة إقليمية مناهضة لتركيا تشمل كامل الممر الأوسط، وهناك مساعٍ لتخريب منظمة الدول التركية، ومساعٍ لإغلاق بوابة تركيا إلى آسيا الوسطى، تمامًا كما تُبذل محاولات لإغلاق بوابات إيجة والمتوسط في وجه تركيا. لكن سرعان ما سيتضح أن ذلك غير ممكن. سيتبين أن إسرائيل لا تملك القدرة على كبح تركيا، وأن الاتحاد الأوروبي ليس قوة بديلة يمكن الاعتماد عليها ضدها.
يُملأ فراغ التنظيمات الإرهابية باستخدام حزب الشعب الجمهوري
على الجمهوريات التركية ألّا تفرّط بهذه الفرصة التاريخية العظيمة من أجل حسابات يومية قصيرة الأمد. وعليها ألّا تضيع بين المناورات التكتيكية لإسرائيل والاتحاد الأوروبي.
بل يجب عليها ألّا تُضعف تحالف القوة من أجل الممر الأوسط القائم مع تركيا. وأن تُدرك جيدًا أن فكرة "الحزام الفائق" الممتد من الصين إلى أوروبا ستكون في المستقبل ميدانًا مشتركًا للقوة.
وفي خضم كل ذلك، تم الزجّ بحزب الشعب الجمهوري إلى الساحة الداخلية في تركيا. وبما أنه لم يعد هناك تنظيم إرهابي يمكن استخدامه في الخارج، تم تحميل حزب الشعب الجمهوري في الداخل نفس المهمة التي كانت تُسند سابقًا للتنظيمات الإرهابية. لذلك، فإن ما يحدث داخل تركيا وفي شمال قبرص التركية لا علاقة له بالسياسة، ولا بأتاتورك، ولا بالعلمانية. هناك تهديد مختلف يُصعَّد، والجميع قد يدفع ثمنًا باهظًا بسببه.
لا إسرائيل ولا حزب الشعب الجمهوري قادران على تخريب هذا المشروع... ولم يعد لديهما تلك القوة
سيتم بناء "الحزام الأوسط". وسيتم تجاوز كل هذه العقبات. وسيتعزز التضامن بين تركيا والجمهوريات التركية أكثر من أي وقت مضى. صحيح أن هذا طريق طويل ومرهق، لكنه ضروري. فالعالم يتغير. وخرائط القوة يعاد رسمها. وللمرة الأولى، تصبح المنطقة التي تتوسطها تركيا ميدانًا فعليًا للقوة. وهذا مشروع لا يمكن لإسرائيل أن تخربه. فهي لا تملك القوة لذلك، ولن تملكها مستقبلًا.
أما من لن يستندوا إلى هذه الموجة الكبرى – سواء في الداخل أو في المنطقة – فسوف يخسرون هذا القرن بالكامل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس