صحيفة لوموند - ترجمة وتحرير ترك برس

تحسنت العلاقات التركية الروسية منذ أن جمع كل من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين ونظيره التركي، أردوغان اتصال هاتفي، على الرغم من الاختلافات الواضحة بين الطرفين حول طريقة التعامل مع الملف السوري الشائك.

شهدت العلاقة بين روسيا وتركيا نقلة حقيقية، في الوقت الذي تراجعت فيه العلاقات التركية الأوروبية. كما تعززت هذه العلاقة من خلال المشاورات المستمرة والمباشرة التي جمعت بين بوتين وأردوغان حول الأوضاع الإقليمية عن طريق الاتصالات الهاتفية المتكررة.

تواصل كل من بوتين وأردوغان هاتفيا في مناسبتين، يومي 25 و26 تشرين الثاني/ نوفمبر بهدف التباحث حول تطورات الوضع السوري، في محاولة للتوصل إلى رؤية مشتركة لحل الصراع السوري، على الرغم من أن موسكو لا زالت متمسكة بدعم بشار الأسد، بينما تدعو أنقرة إلى رحيله عن السلطة.

كما تواصل أردوغان مع بوتين في مناسبة ثانية أي يوم 25 تشرين الثاني حول حادثة مقتل أربعة جنود أتراك وجرح ثمانية آخرين في مدينة الباب السورية، التي تقع في شمال حلب. وأراد أردوغان من خلال هذا الاتصال الهاتفي أن يتأكد مما إذا كانت الطائرات الروسية تقف وراء الغارة الجوية التي استهدفت الجنود الأتراك.

درع الفرات

تمكنت أجهزة الرادار التركية من تحديد مركز إقلاع الطائرات التي استهدفت الجنود الأتراك، وتوصلت إلى أن هذه الطائرات غادرت منطقة النيرب التي يتواجد فيها المطار الدولي في حلب الذي يخضع لسيطرة القوات الروسية. فهل تحول الحليف الروسي إلى عدو؟

وذكرت صحيفة "يني اكيت" التركية يوم 25 تشرين الثاني أن الهدف من الهجوم كان "إشعال فتيل الفتنة بين البلدين" من خلال مؤامرة يتم التخطيط لها ضد تركيا. وفي هذا السياق، أضافت الصحيفة أن هذه العملية كانت "تمهد لفتح جبهة ثالثة".

تعتبر مدينة الباب التي تخضع لسيطرة تنظيم الدولة مدينة استراتيجية في خارطة الصراع السوري، ولذلك فإن كل الأطراف الفاعلة تسعى إلى السيطرة عليها، بما في ذلك الأكراد، والجيش السوري، والقوات التركية المعادية لبشار الأسد.

وقد أعلنت تركيا منذ ثلاثة أشهر عن بداية عملية عسكرية في شمال سوريا. ويبدو أن هذه العملية العسكرية تحظى بدعم روسيا أو على الأقل موافقتها، نظرا إلى أن القوات الروسية تفرض سيطرة كاملة على المجال الجوي في شمال سوريا، بعد نشر الصواريخ المضادة للطائرات، من بينها صواريخ أس 300 وأس 400.

طالما أن الأهداف العسكرية لتركيا في شمال سوريا تقتصر على تعقب الجماعات الكردية المسلحة التي يقودها حلم دولة كردية مستقلة (وتعدها تركيا الفرع السوري لتنظيم بي كي كي المدرج على لوائح الإرهاب لديها)، وتطهير المناطق الحدودية بين تركيا وسوريا من عناصر تنظيم الدولة "داعش"، فإن روسيا لا يمكنها أن تعترض على عملية "درع الفرات".

وفي المقابل، تسعى القوات التركية إلى دعم المعارضة السورية لاستعادة السيطرة على مدينة الباب، وهو ما تنظر إليه روسيا على أنه خط أحمر، قد يؤدي تجاوزه إلى إضعاف موقف القوات النظامية السورية التي تسعى إلى استعادة السيطرة الكاملة على حلب.

نفى بوتين خلال الاتصال الهاتفي الثنائي الذي جمعه بأردوغان يوم 26 تشرين الثاني أية علاقة للقوات الروسية بالغارة الجوية التي استهدفت القوات التركية في مدينة الباب. وخلال إحدى المؤتمرات الصحفية، ذكر نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان كورتولموش، أن "بوتين أكد أن الطائرات المشاركة في هذا الهجوم ليست روسية"، بل كانت طائرات سورية نفذت عملياتها دون مساعدة روسيا.

علاقة متعددة الجوانب

يعتقد البعض أن حادثة مقتل الجنود الأتراك كانت ردّة فعل انتقامية من روسيا، خاصة وأن تاريخها يتزامن تقريبا مع تاريخ إسقاط الطائرة الروسية التي اخترقت المجال الجوي التركي يوم 24 تشرين الثاني سنة 2015. في ذلك اليوم، وصف بوتين حادثة إسقاط طائرة سوخوي 24 بأنها "طعنة في الظهر". وقد أدت هذه الحادثة في ذلك الوقت إلى اندلاع أزمة دبلوماسية بين البلدين، وشهدت بعض الشوارع الروسية على إثرها تحركات احتجاجية، وعمليات تخريب استهدفت السفارة التركية في موسكو.

وسرعان ما تغيرت المعطيات، عندما قرر أردوغان تقديم اعتذار رسمي لروسيا عن حادثة إسقاط الطائرة، مما أدّى إلى اتخاذ العلاقات بين البلدين منحى جديدا. وبعد العملية الإرهابية التي نفذها تنظيم الدولة في المطار الدولي لإسطنبول، وضع مئات الروس الشموع وباقات الورد أمام السفارة التركية في موسكو وذلك ترحما منهم على ضحايا العملية الإرهابية، مما يعني أن العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا متشعبة ومتعددة الجوانب، لكنها ترتبط أساسا بتطورات الحرب في سوريا.

تعاون إقليمي

إن التقارب الروسي التركي تحركه عوامل إقليمية وإستراتيجية. فقد فرضت المعطيات الإقليمية الجديدة في المنطقة على تركيا وروسيا الانتقال بالعلاقات الثنائية إلى مرحلة أخرى، بعد أن تدهورت علاقة تركيا بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب خلافات حول مواضيع عديدة، وهو ما دفع أنقرة إلى البحث عن تحالفات جديدة في القارة الآسيوية، من خلال الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون.

وتجدر الإشارة إلى أن تركيا تنظر إلى التعاون الإقليمي مع روسيا، والدول الآسيوية داخل منظمة شنغهاي باعتباره بديلا عن الاتحاد الأوروبي، بينما تؤكد روسيا والصين على أن هذا التوجه الجديد هو بمثابة خطوة مهمة في محاربة الإرهاب.

وقد عملت تركيا منذ سنة 1952 على تطوير علاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة وأوروبا داخل إطار حلف الناتو، لكن الوقت قد حان لتتراجع تركيا عن هذا التوجه، وتدخل "في علاقة شراكة إستراتيجية مع روسيا"، على حد تعبير الفيلسوف والسياسي الروسي، ألكسندر دوغين. 

فمنذ أيام قليلة، استضاف رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم الكاتب والفيلسوف الروسي المقرب من بوتين، ألكسندر دوغين الذي دعا الزعماء الأتراك إلى حسن اختيار أصدقائهم.

وفي هذا السياق، قال دوغين إن "كلانا يعرف من أين حصل الانقلابيون الذي هاجموا مقر البرلمان التركي على الدعم، ومن المؤكد أنهم لم يحصلوا عليه من روسيا". 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!