محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

في خضم الاستعدادات الجارية لعقد قمة مصغرة للاتفاق حول حل المسألة السورية سلميا والتي دعا إليها الرئيس الروسي وبمشاركة الرئيس التركي والرئيس الإيراني، يتبادر إلى الأذهان عدة تساؤلات حتمية وافتراضات جدلية ربما تكون بعضها مبدئية متطابقة مع خط تطور المسألة السورية وتعقيداتها لتكون ركنا أساسيا في المباحثات المؤملة والتي من شأنها أن تزيل حقبة تاريخية مظلمة كغيرها من الحقب السوداء التي داهمت المدن والأمصار العربية والإسلامية على مر العصور.

أهم هذه التساؤلات المسبقة هي: 

1-الدور القادم لبشار الأسد والموقف الإقليمي والدولي من بقائه واستمراره.

2- الوجود الإيراني والميلشيات الشيعية الإيرانية والعراقية وحزب الله اللبناني في سوريا.

في الإجابة على هذه التساؤلات لا بد أن تتضمن بعض المعطيات المستجدة على الساحة الدولية والإقليمية والتي ستكون لها تأثير مباشر منتظر على أحداث سوريا وأهم هذه المعطيات هي مغادرة أوباما للبيت الأبيض دون تمكنه (من ارتداء جلباب رئيس أكبر دولة في العالم طيلة ثمانية أعوام)، وبانتهاء عهد أوباما ومجيء ترامب الجمهوري ستدخل المنطقة عموما بنفوذ مماثل متوازي وربما متوازن في أشهره الأولى بين الروس الذين استطاعوا من بناء قواعد انطلاق لهم لم يعرف مدى مقاومتها للزلازل وبين أمريكا التي لم تغب عن المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية سوى تلك السنين العجاف سنين أوباما حسب نظرة الأمريكان.

بصورة عامة وبعيدا قليلا عن المشهد السوري والساحة السورية والتي كانت إحدى الأسباب المباشرة لترتيب البيت الشرق أوسطي والعربي لا بد أن نذكر أهمها:

أ- إصرار دول الخليج العربي وخصوصا المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين على تطوير آلية إدارة مجلس التعاون الخليجي إلى أفق أوسع وأشمل أثناء انعقاد مؤتمر قمة التعاون الخليجي في البحرين.

ب - تطور العلاقات الخليجية والعربية بصورة عامة مع تركيا وإقامة علاقات استراتيجية متعددة معها كالعلاقات التركية القطرية والتركية السعودية.

ج - بالمقابل تدهور العلاقات الإيرانية مع معظم الدول العربية لدرجة قطعها مع بعضها بعد تدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية للدول العربية ودول الخليج على وجه الخصوص.

إن الإقدام على ترتيب البيت الشرق أوسطي والعربي كان رد فعل عنيف على السياسات الإيرانية الطائفية المريبة المتزايدة في المنطقة إضافة إلى انحسار الدور الأمريكي وتقديم إيران نفسها وبمباركة أمريكية كطرف مبتز ومرغم من الأمريكان على لعب دور المشاغب في المنطقة.

أما ما يخص الشأن السوري وهي القضية التي تنغقد من أجلها القمة المرتقبة وما يتبعها من قرارات وقف إطلاق النار والدعوة إلى المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع الأطراف ذات العلاقة تحل المسألة الشائكة حول مصير هذه الطراف ومنها المعارضة السورية ومصير النظام القائم والميلشيات الإيرانية والعراقية وميلشيات حزب الله اللبناني ذات الصيغة الطائفية فهذه بالتأكيد تبقى رهينة الاتفاقات السياسية وهناك جملة من الأمور تؤثر بها بشكل مباشر باعتبار أن الرؤية المتطابقة والدور المكمل الإيراني والروسي بتعبير الباحث علي باكير قد تنتهي لتحل محلها الرؤية المتضادة والمتخالفة عب جملة من الأمورالجوهرية ومنها:-

1- شعور روسيا أنها سحبت بقوة ناعمة ايرانية وتغلغلت في المستنقع السوري لأجل خدمة الأهداف الطائفية الإيرانية.

2- أدى قطع العلاقات السعودية مع إيران إلى نشوء حالة من عدم الثقة الروسي لإيران بسبب تأثيرها المباشر على العلاقات الروسية في المنطقة إذا اعتبرنا أن إيران كانت الحاملة لمواكب التمدد الإيراني.

3- تمديد العقوبات الاقتصادية لإيران لمدة عشر سنوات من قبل الأمريكان في آخر عهد أوباما ما أعطى دليلا واضحا للروس بأن إيران لم تملك ان تزود روسيا ما تحتاجه لإدامة تدخلها في سوريا وهذا الرأي يتفق عليه معظم المهتمين بالشأن الروسي والإيراني.

4- السعي للتهميش المتبادل بين الطرفين الروسي والإيراني في سوريا وقد توضحت هذه الصورة بشكل مباشر بعد الاتفاق الروسي مع أطراف اخرى لخروج المقاتلين من شرق حلب في الوقت التي سعت هذه المليشيات إلى نسف الاتفاق بمحاولات متكررة.

5- العزلة التامة والإدانة الدولية الواسعة لجرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها روسيا وإيران والمليشيات الطائفية والتي ساهمت بصورة قطعية في تعجيل إبرام اتفاق حول حلب واستثمار هذه الاتفاقية باعتبارها ورقة أخرى تحتفظ بها موسكو مع أمريكا بالإدارة الجديدة ربما تخفف عنها شيئا من الإدانة الدولية المستقبلية وتلقي بتلك التهمة الجاهزة ضد إيران والقوى المتحالفة معها وخصوصا أن تلك الأطراف قد اتهمت مسبقا بتعطيل ومنع تنفيذ الاتفاق حول خروج المحاصرين من شرق حلب.

إلى ذلك يتبين أن قمة كازاخستان لم تكن سهلة للروس رغم الاصطفاف الإيراني معها في ظاهر الأمر، والمؤيدة للنظام السوري في مواجهة الأتراك، والمؤيدة للمعارضة السورية، والمؤازرة من قبل الدول العربية بصورة مباشرة، وتقاطع المصالح الغربية مع روسيا باعتبارها تأييدا غير مباشر للموقف التركي أمام الروس.

ورغم أن الحضور الإيراني للقمة والذي يسعى جاهدا إلى إبقاء الوضع في سوريا عموما وحلب خصوصا على ما هو عليه لتكون حجة دائمة لاستمرارتواجده كمحتل في سوريا، سيتفاجؤون بقشرة الموز الروسية تحت أقدامهم مثلما وضعوا تلك القشرة تحت أقدام بوتين في السابق وحسب كل هذه المعطيات فإن الروس في الوقت الذي يبحثون جاهدين لحل المسألة السورية حلا سلميا لرفع هذه العبء القاتل عن كاهلهم يبحثون أيضا بنزع ثوب الاتهام عنهم غير مبالين بمن سيرتديه وسيكون كل الأطراف التي وقفت مع الروس ومنهم الإيرانيون على وجه الخصوص منصتين على قرار بوتين الحاكم والمدعي في نفس الوقت.

وأهم قراراته المرتقبة إن أراد إنقاذ نفسه هي إنهاء الدور الإيراني في سوريا وخروج مليشياتها المتحالفة معها من سوريا كورقة احرقت نفسها بنفسها، والتي يتم على أساسها الاتفاق المرضي لكل الأطراف، والموقف من بقاء الأسد والفترة الانتقالية هي قابلة للنقاش من جديد إرضاء لكل الأطراف الدولية.

والخشية من تدويل القضية السورية إن طال أمدها هي إحدى ركائز الإصرار الروسي على قبول كل هذه الاحتمالات بعد صدور بعض المطالبات الدولية بتعيين مراقبين دوليين في حلب تتولى الإشراف على خروج المحاصرين من شرق حلب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس