جلال سلمي - خاص ترك برس

تحاول تركيا اليوم إقناع القوى الفاعلة بإجراء عملية تحرير الرقة وفقًا لمسارات تخدم مصلحتها القومية القائمة على منع قوات الحماية الكردية من تحقيق المزيد من السيطرة. وفيما ترمي تركيا لتحقيق ذلك، تنشغل، داخليًا بمسألة تمرير بعض التعديلات الدستورية القاضية بتحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي في حال صوت الشعب لصالحها في عملية الاستفتاء المزمع إجراؤها في 16 أبريل/ نيسان المقبل.

وفي ضوء ذلك، يؤكد خبراء أتراك أنه يصعب على تركيا إدارة ملفاتها الخارجية تزامنًا مع الانشغال بالاستفتاء الشعبي، وأن تركيا لا تستطيع تحقيق تأثير حقيقي على الصعيد الخارجي دون استقرار الوضع الداخلي.

وتعليقًا على ذلك، أوضح الكاتب والمحلل السياسي "محرم ساري كايا" أن الرفض الأمريكي والروسي "المشترك" للخطة التركية القاضية بدخول قوات الجيش الحر السوري أو قوات الجيش التركي إلى منبج ومنها إلى الرقة، بات جليًا، منوّهًا إلى أن الاستهداف الذي تعرضت له القوات التركية المتمركزة في الباب في 6 مارس/ آذار 2017، لا يمكن تقييمه إلا في إطار ضمان قوات الحماية الكردية للدعم الأمريكي والروسي لها.

وفي مقاله "تحالف منبج" المنشور على صحيفة خبر ترك، أشار الكاتب إلى أن تركيا وألمانيا وبريطانيا في التحالف ذاته المضاد للتمدد الروسي والإيراني، وأن الأزمات بين تركيا ودول ذلك التحالف لا تصب سوى في صالح التحالف المضاد.

وربما يقصد الكاتب الأزمة التي نشبت بين تركيا وألمانيا، إذ يرى البعض أن كلا الطرفين، التركي والألماني، يحاولان توظفيها في الحملات الانتخابية الداخلية، وانطلاقًا من ذلك، يبيّن الكاتب أن انشغال الحكومة بالشأن الداخلي أعاق متابعتها الجيدة للتطورات الخارجية.

ونقلًا لرؤية السفير التركي "دانيز بولوك باشي" الذي كان أحد أعضاء الفريق المفاوض للولايات المتحدة لاقناعها بتدريب قوات الجيش السوري الحر كبديل لقوات الحماية الكردية، أشار ساري كايا إلى أن عملية تحرير الرقة تحتاج لتوجيه الحكومة كافة طاقتها نحوها، فإقناع الولايات المتحدة وروسيا بالتحرك وفقًا للرؤية التركية، يعني أن الأمر يحتاج لتركيا قوية متماسكة، وفي ظل التطورات الجارية لا يمكن الحديث عن تماسك لمؤسسات الدولة التي تعيش حالة من التأهب للنظر في إمكانية استمرارها على حالها إذا تم التصويت "بلا"، أو الانتقال إلى شكل جديد من العمل والمهمات في حال تم التصويت "بنعم".

وفي السياق ذاته، أكّدت الكاتبة الصحفية "إبيك ياووز" على أن المرحلة الحالية تؤثر سلبًا في عملية اتخاذ القرار الواقعي والصحيح حيال التحركات الخارجية. موضحةً أن الحزب الحاكم يسخر طاقته في الحملة الانتخابية، واضطراره لاتخاذ قرارات سياسية تدعم رصيده الشعبي على حساب التحرك المنطقي والواقعي وهو أمر متوقع؛ فتخفيف وتيرة التقدم في عملية الباب، ورفع وتيرة التوتر مع ألمانيا التي تركيا بأمس الحاجة إلى دعمها لرؤيتها الخاصة حيال عملية الحل في سوريا، هما مؤشران واضحان على ابتعاد الحزب الحاكم عن الواقعية، بهدف تحشيد الدعم الشعبي لصالح التصويت "بنعم" في الاستفتاء، وهذا ما يؤثر سلبًا في عملية التحرك الخارجي.

وأضافت، في تصريح لترك برس، أن النظام الرئاسي نظام جيد بالنسبة لتركيا، ولكن توقيت التصويت عليه سلبي جدًا، فتركيا بحاجة لهذا النظام، إلا أن المناطق المجاورة لتركيا تشهد تغيرات استراتيجية، وما تحتاجه تركيا اليوم، بشكل أساسي، هو الانتباه لمسار هذه التغيرات، منوّهةً إلى أن أداء تركيا دورًا قويًا في عملية تحرير الرقة يبدو صعبًا في الوقت الحالي، إلا أن عملية اتخاذ القرار في إطار النظام الرئاسي تتسم بسرعة وفعالية، وهذا ما قد يمنح لتركيا فرصة أكبر لاستعادة الدور القوي في التطورات الخارجية.

ومن جهته، أشار الصحفي والكاتب السياسي "خليل كويلو"، عبر مقاله في موقع قناة دويتشه فيله باللغة التركية، إلى أن الإعلام التركي بات منشغلًا بتسليط الضوء على عملية الاستفتاء الشعبي، وهذا ما أدى إلى خفوت التأثير الإعلامي في تحركات الحكومة التي توليه أهمية كبيرة، كونه الموجه الأساسي للشعب، مبينًا أن استمرار توجيه التأثير الإعلامي صوب التطورات الداخلية بعيدًا عن التطورات الخارجية، يؤثر سلبًا في مسار السياسة الخارجية التركية.

ويتأهب الشعب التركي لإجراء عملية استفتاء شعبي على نظام الحكم في 16 أبريل/ نيسان المقبل، وقد بدا واضحًا تركيز الشعب والحكومة على هذه العملية بعيدًا نوعًا ما عن التطورات الخارجية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!