علي باكير - عربي 21

كشفت صحيفة الوول ستريت جورنال قبل ايام قليلة عن قيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمخاطبة المرشد الأعلى للجمهورية الايرانية آية الله علي خامنئي سرّاً في منتصف الشهر الماضي، وتضمنت رسالة أوباما الى الخامنئي والتي تعد الرابعة من نوعها على الأقل الاشارة الى منافع التوصل الى اتفاق شامل في البرنامج النووي وانعكاس ذلك على المصالح المشتركة والتعاون بين البلدين لاسيما ما يتعلق بمحاربة تنظيم الدولة "داعش"، حيث ذكرت الرسالة انّ التعاون في هذا المجال سيتوقف الى حد كبير على التوصل الى اتفاق شامل مع ايران في الملف النووي.

والمفارقة انّ الطرفان يسعيان الى توظيف ورقة "داعش" للحصول على تنازلات أكبر في سياق التوصل الى الاتفاق النووي المنشود. ففي نهاية سبتمبر الماضي، قال الرئيس الايراني حسن روحاني بأنّ التوصل الى اتفاق مع ايران في الملف النووي سيفتح الطريق واسعا امام تعاون أكبر بين ايران والغرب في مكافحة التطرف الاسلامي في منطقة الشرق الأوسط، وقد جاء ذلك بعد ايام قليلة فقط على العرض الذي قدّمه وزير الخارجية محمد جواد ظريف ومفاده بأنّ ايران مستعدة للانضمام الى التحالف الدولي والمساعدة في مكافحة الارهاب والتطرف اذا ما تم رفع العقوبات عنها، معللا ذلك بالقول: "اذا اتفقنا على فعل شيء مشترك في العراق، فان على الطرف الآخر ان يزيل العقوبات المرتبطة بالملف النووي".

على اي حال، نظريا لم يتم ادراج ايران بشكل رسمي في التحالف الدولي ولم يتم ازالة العقوبات كليا، لكن عمليا، فان التعاون غير المباشر الأمريكي- الايراني يعد الأقوى على الاطلاق في المنطقة حاليا، والمؤشرات الموثوقة والمؤكدة في هذا المجال أكثر من أن يتم حصرها في مقال واحد، فلا حاجة الى اتفاق رسمي بخصوص هذا الشكل من أشكال التعاون،  ولا حاجة الى تنسيق مباشر حتى. يكفي ان يتم توجيه الرسائل في الاعلام أو عبر أطراف ثالثة كالحكومة العراقية حتى تتحقق النتائج المرجوة.

هناك تحالف بين الطرفين في العراق منذ عام 2010، وهناك غض للنظر عن الارهاب الشيعي في المنطقة وعن عمل الميليشيات الشيعية التي تعمل وفق اجندة ايرانية أكثر  احترافا وتسليحا وتدريبا  وفتكا من نظيرتها السنية، وهناك اعتراف ضمني يصل الى حد التسهيل لنفوذ ايران في لبنان وسوريا واليمن. هناك حرص كبير جدا على عدم المساس بنظام بشار الأسد حتى مع استخدامه السلاح الكيماوي. الحوثي احتل العاصمة وعدد كبير من المناطق اليمنية واستولى على مخازن الجيش ولم يصدر حتى تعليق أمريكي واحد على هذه التطورات، او على دور الميليشيات الشيعية في لبنان وسوريا والعراق في تقويض المنطقة واطلاق التطرف السني، من الواضح ان هناك تجاهل تام لها.

وبالعودة الى سؤالنا الرئيسي وهو كيف يمكننا ان نفسر رسالة أوباما الى الخامنئي. هناك من يرى أنها تعبير عن يأس اوباما من امكانية التوصل الى اتفاق مع ايران ولذلك فهي بمثابة المحاولة الاخيرة لحث الجانب الايراني على التوصل الى الاتفاق في الموعد النهائي للمفاوضات في 24 نوفمبر الحالي، فيما يرى آخرون أنّها بمثابة "رفع للمسؤولية" عن ادارة الرئيس أوباما في حال فشل المفاوضات، بمعنى ان اوباما بذل كل ما بوسعه للتوصل الى اتفاق شامل مع الجانب الايراني ولكن طهران رفضت ولذلك فهي تتحمل مسؤولية اي فشل للمفاوضات.

ومع اني اميل الى الاستنتاج الاول الا انني لا ارى ان اي منهما هو تفسير صائب أو كاف لما حصل.  اذ ما الفائدة من تحميل ايران مسؤولية فشل التوصل الى اتفاق اذا لم يقترن ذلك بالتحذير من تداعيات وعواقب فشل المفاوضات و بتهديد واضح وصريح لايران ؟ كما انه من غير الصائب الاشارة الى يأس اوباما في وقت يكون فيه التعاون الأمريكي-الايراني في الشرق الأوسط والتطابق بينهما في السياسيات والمصالح في أوجه.

لا شك من ان تسريب الرسالة الى الإعلام جاء على الارجح بدفع من ادارة الرئيس اوباما نفسه، ولا شك انّ توقيت التسريب انما يرتبط بالمفاوضات الجارية مع ايران حول ملفها النووي، أمّا أحد أهداف الكشف عن الرسالة فهو محاولة وضع ضغوط على الجانب الايراني للتوصل الى اتفاق، لكن الأهم برأيي هو محاولة أوباما الرد من خلالها على الحملة الايرانية التي استهدفته الاسبوع الماضي  وركّزت على انه من الصعب التوصل الى اتفاق مع الجانب الامريكي لان الرئيس اوباما ضعيف ولا فائدة من التوصل الى اتفاق مع رئيس ضعيف، في حين جاء التسريب "المقصود" للقول "انا قوي بما فيه الكفاية للكشف عن هكذا تواصل، فهل الجانب الايراني قوي بما فيه الكفاية للتوصل الى اتفاق".

وعلى الرغم من أنّ عددا كبير من الخبراء الغربيين المتخصصين بالشان الايراني، كانوا قد شددوا على ان الكشف عن هذه الرسالة لن يؤدي هدفه، بل على العكس فانه سيقوض اللعبة الحساسة في المفاوضات النووية وسيدفع الجانب الايراني الى التشدد، فاني لا اتفق مع هذا التحليل لسبب بسيط جدا وهو انّ الوصول الى مثل هذا الاستنتاج يفترض في الأساس رغبة الجانب الايراني في التوصل الى اتفاق رسمي شامل مع واشنطن، أو انه قد حسم رأيه في التوصل الى مثل هذا الاتفاق وهو ما أشك فيه.

بمعنى آخر، هناك مصلحة ايرانية استراتيجية في التوصل الى اتفاق نووي مع واشنطن خاصة اذا لم يتضمن اية تنازلات قاسية (بالفعل العرض الحالي لا يتضمن اي تنازلات قاسية بل فيه تنازلات من قبل واشنطن والغرب)، لكن هناك مشكلة استراتيجية في التوصل الى "اتفاق شامل" مع أمريكا (الشيطان الأكبر) لأنّ ذلك سيقوّض على الأرجح الفكرة الرئيسية التي قام عليها النظام الايراني بأكمله وهو العداء (ولو شكليا) لأمريكا واسرائيل.

المدرك لطبيعة الثقافة االايرانية والسياسية الايرانية يستطيع ان يستنتج ان  الحل الأمثل للجانب الايراني دوما هو التوصل الى اتفاقات محدودة ومقايضات معيّنة او اتفاق غير موقّع يتيح له امكانية المناورة. الاستثناء الوحيد برأيي لهذه القاعدة هو  انهيار خصوم ايران في المنطقة أو التسليم ب "شرعية نفوذها" وهو أمر  يرى البعض انه بات قاب قوسين او ادنى، لكن طهران ما تزال تحتاج الى بعض الوقت لتحقيقه في سياق الاحداث الجارية في المنطقة، وربما تنتظر ان يتحقق ذلك مع التسليم بانتصارها في الملف السوري والقضاء على تنظيم "داعش".  

هناك من يرى في طهران ان اوباما يرغب في اتفاق مع ايران ربما أكثر مما يرغب الطرف الايراني بذلك، وعليه فان نصف اتفاق قد يكون مرضيا للطرفين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل سيقبل أوباما بنصف اتفاق؟ هذا ما سنراه في نهاية الشهر.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس