فرج كُندي - خاص ترك برس

العلاقة بين التخلف والاستبداد هي علاقة التصاق سيامي تلازمي لا يمكن الفصل بينهما مهما تطورت وسائل وطرق العلاج  السياسي الحديثة فلن تنجح في محاولتها لأن هذا الالتصاق ليس من النوع البسيط بل من النوع المركب الغاية في التعقيد. لكون هذه السيامية تنفرد بكون الطرفين يشتركان في قلب واحد وعقل واحد وهو ما يجعل الامر اكثر تعقيداً ويدفع به نحو الاستحالة .

 والمتابع لحركة التاريخ وقيام وسقوط وانهيار الدول والممالك والامبراطوريات , وتلاشي واضمحلال الحضارات يجدها كانت نتاج طبيعي لغياب العدل وتمكُن الاستبداد بكافة اشكاله وانواعه, وما تمظهر به من شعارات نبيلة في ظاهرها . بعد إفراغها من مضمونها وتحويلها  إلى اداة لتمير وتبرير ير تصرفات المستبد ومصدر لتعزيز قوته وتجذير سطوته .

كلما اراد المستبد تعزيز سطوته وتبرير قسوته لابد له  من وسئل وادوات تبدا من القبضة الحديدة و تكميم الافواه , وتعطيل الحريات والتضييق على الافكار , والحجر على العقول .

وبما  المستبد يعلم  أن العلم والفكر أهم خصومه , والعقبة الكؤود التي تقف اما جبروته وتحد من طغيانه فناصبهما العداء ووظف كل امكانياته وسخر كل اتباعه في محاربة العلم والعلماء قتلاً وسجنا , ونفياً من الارض التي تقع تحت بطش يده, ويمارس فيها طغيانه ويمتد إليها سلطانه .

فالعلم والاستبداد لا يلتقيان؛ فتربة  العلم لا تُنبت الاستبداد والاستبداد لا ينبت في تربة العلم بل له تربته وبيئته  الخاصة و ظروفه المناخية التي ينمو ويترعرع فيها, وكلما كان التخلف متجذر وله صولة وجولة كلما وفر  للاستبداد فرص النمو والتمدد والتغول لدرجة التوحش .

إن التاريخ يدلل على هذه العلاقة التلازمية بين التخلف والاستبداد ومن يتابع قيام وانهيار الامم والدول وسقوط الحضارات يكتشف انها تسقط وتنهار بعد مرحلة من التدهور قد تطول او تقصر إلا ان العلامة الفارقة هي غياب العدل و تغول الاستبداد بكافة اشكاله وصوره وفق ما يقدم من مبررات للاستبداد تارة باسم الدين واخرى باسم العرق والطائفة أو القبيلة أو غيرها من المبررات التي يتخذها المستبد وسيلة لتبرير أعماله وتصرفاته . إلا أن الاستبداد لا ينجح ولا تقوم له قائمة إلا في بيئة متخلفة تقبل به بل تعتنقه وتحتضنه, وتقدسه وتسعى وتعمل  على  العيش في ظلالة  ولا ترى أي تصور للحياة خارج عباءته

فبقدر درجة التخلف تزداد وتيرة الاستبداد حتى يصبح أمراً مألوفا وضرورة حتمية في ضبط المجتمع ويصبح لدى شريحة كبيرة ممن طغي واستمراء عليهم التخلف قناعة بضرورة الحاجة الى وجود ( المستبد العادل ) وفي حقيقة الامر ومن مسلمات العقل باستحالة الجمع بين الاستبداد والعدل .

وقد اكتشف دعاة الاستبداد مبكرا هذه المعادلة وكان لهم السبق في ذلك فعمدوا إلى تبني هذه النظرية التي تثبت اقدامهم وترسخ أركان حكمهم المطلق دون أي مراجعة او مراقبة , ورعاية  التخلف من أهم اولويات المستبد لأنه صنيعته ووسيلته في الاستبداد وقهر العباد فكان المستبد هو الراعي الرسمي للتخلف .

 ونال التخلف من المستبدين من الرعاية والعناية ما لم تناله الشعوب التي تعيش في كنف الاستبداد فهو وسيلتهم واداتهم في الطغيان والعدوان وهما توئمان لا يعيشان في ظروف عادية ولا حياة طبيعية؛ وفي العادة عمرهما قصير لأن سنة الحياه تقول أن البديل يسير حثيثا لإخراجهما ليحل محلهما  ( العلم والحرية ) . 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس