طه أوزهان - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

كنت شاهدا على هجمات 11 سبتمبر في نيويورك، ولا أستطيع أن أنسى الذعر والخوف الذي أعقب انهيار البرجين التوأمين.

كنت شاهدا على الدمار والإرهاب في العراق، والمعاناة التي سببها الغزو الأمريكي الذي أعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

لن أنسى أبدا القصف والمذابح في غزة.

أصبحت هذه المشاهد من الألم والمعاناة أكثر سوءا مع الانتفاضات العربية. وأدت الانقسامات السياسية الناجمة عن غزو العراق إلى حدوث اختراقات في جميع أنحاء المنطقة. سقط الطغاة، ولكن ما إن أوشك النظام الذي وضعته الحرب العالمية الأولى على الانهيار، حتى تحركت القوى الإقليمية في سوريا لخنق مطالب الشعوب بالتغيير.

لو لم تتعثر الثورة السورية أو الثورة المصرية، لما أصبحت الدول الأخرى في المنطقة على ما هي عليه اليوم. ففي الخليج كان من الممكن أن يكون النقاش قد بدأ حول الملكية الدستورية الناشئة، لكن هذا لم يحدث.

قبل أشهر من انقلاب يوليو/ تموز 2013 في مصر، كتبت من القاهرة أن الليبراليين المصريين يحتاجون إلى فهم أن ميدان التحرير كان مكانا جيدا لإرسال رسائل إلى مصر ومرسي، لكنه ليس مكانا للعمل السياسي. حذرت من أنه "إذا استمر الطرفان عديما الخبرة بهذه الطريقة... باللعب بالنار" فإن مصر قد تجد نفسها في وسط انقلاب.

انقلاب في كل عقد

هل يمكن أن يحدث شيء مماثل في تركيا؟ حدث الانقلاب الأخير المعروف باسم "عملية 28 فبراير"، في عام 1997. وكان نسخة دموية لما حدث في مصر في 3 يوليو. بدأ الضباط العسكريون و"عناصر مدنية" في العمل، وغضت العواصم الغربية الطرف عن ذلك، وأُجبرت الحكومة المنتخبة على الاستقالة.

ومنذ عام 2002، تعاملت حكومات حزب العدالة والتنمية مع محاولات مماثلة. بحث من يأملون في انقلاب، وخاصة منذ عام 2006، بعناية وحرص عن فرص جيدة لتضييق الخناق على الحكومة من أجل وقف الدعم الانتخابي المتزايد الذي حصل عليه باطراد. في عام 2007، عندما حاولوا منع انتخاب عبد الله غُل رئيسا، حصل حزب العدالة والتنمية على أكثر  مما حصل عليه في انتخابات عام 2002  بـ30% .

بعد أن أغلق ملف المؤامرة الانقلابية المعروفة باسم "خطة المطرقة" في عام 2010 رأى الأشخاص ممن هم فوق سن الأربعين الذين يتذكرون انقلاب 12 سبتمبر 1980 المتآمرين يحاكمون أمام المحكمة في عام 2012، ولا بد أنهم ظنوا أن الستار قد أغلق أخيرا على حقبة الانقلابات في تركيا.

من كان يظن إن الأشخاص الذين جاوزوا سن الأربعين يمكن أن يشهدوا محاولة انقلابية ثالثة في حياتهم؟ ولكن قبل عام  تكررت العبارة التركية المألوفة "انقلاب في كل عقد".

انقلاب يختلف عن الانقلابات الأخرى

كانت محاولة الانقلاب التي وقعت في 15 يوليو/ تموز مختلفة تماما عن الانقلابات الثلاثة السابقة. ومن الصعوبة بمكان  تفسير الجهات الفاعلة والأهداف الكامنة وراء ما حدث، وخاصة لمن هم في خارج تركيا. إنها قصة مثيرة للاهتمام تشتمل على عناصر مستترة وغموض وقتلة وجواسيس وعواصم أجنبية، ولكنها رغم ذلك تبقى عصية على الفهم.

أما بالنسبة إلى تجربتي الشخصية في الانقلابات، حيث إننا تعرضنا لقصف طائراتنا في بلدنا، فقد فكرت فيما رأيته من نيويورك إلى مصر، ومن فلسطين إلى العراق، ومن سوريا إلى ليبيا.

أتذكر بوضوح شديد أني فكرت على الفور في من ارتكب محاولة الانقلاب: إنهم أتباع غولن، فهم وحدهم القادرون على عمل ذلك، لا لأنهم  تسللوا إلى الجيش والقضاء ومؤسسات الدولة الأخرى، ولكن لأنهم أيضا مهووسون.

في الماضي كانت الانقلابات العسكرية تعني قلب السلطة، وليس الاعتداء على البلد نفسه بقوة نيرانية ساحقة. كان الهدف الحقيقي لجميع الانقلابات الماضية النخبة السياسية وحدها على الأقل، ففي 27 مايو/ أيار 1960، استهدف المؤامرون رئيس الوزراء. وفي عام 1980، استُهدف الشباب من اليمين واليسار. وأجبر المؤامرون الحزب الحاكم على ترك السلطة، ثم أغلق الحزب نفسه في عام 1997.

لكن أتباع غولن كانوا نوعا غريبا كل الغرابة، ولهذا السبب كتبت في الساعات الأولى من يوم 16 يوليو/ تموز أن "هذه ليست محاولة انقلاب، إنها حملة إرهابية واسعة النطاق ضد الشعب والحكومة المنتخبة والجيش نفسه".

في الواقع، فإن عشرات التغريدات التي كتبتها منذ ليلة الخامس عشر من يوليو وحتى اليوم التالي مثل سيناريو لفيلم قصير مما شهدته.. عندما قرأت هذه التغريدات مرة أخرى بعد عام، وجدت أنني لا أتذكر حتى كيف كتبت معظمها. كان الهدف من كل تغريداتي باللغة العربية والإنجليزية في تلك الليلة أن أخبر العالم بالتهديد الذي تعرضت له عن كثب.

على أن يوم الـ15 من يوليو لم يكن أول تهديد تتعرض له تركيا من أتباع غولن، وما كان مختلفا في هذا اليوم هو أنه، مقارنة بالانقلابات السابقة، كان هجوما إرهابيا كاملا، وتحركا نحو الاحتلال بالمعنى الحرفي.

كانت أول محاولة  قام بها الغولنيون هي هجوم مسلح في 7 فبراير/ شباط 2012 عندما حاولوا إلقاء القبض على مدير المخابرات التركية. وأعقب ذلك محاولة أخرى في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013 دبرها القضاء والشرطة.

لذلك، فبالنسبة إلى من يتابعون الأحداث السياسية عن كثب، فقد كان من الطبيعي استخدام مصطلح "الانقلاب" جنبا إلى جنب مع فتح الله غولن. وبالنظر إلى الادعاءات التي قدمها غولن إلى المحاكم التركية ضدي، فإن ما شاهدته كان، في الواقع، قصتي الشخصية، على المسرح الوطني والعالمي.

تحذير للعالم

بعد أن حاول الغولنيون اعتقال مدير المخابرات في 7 فبراير 2012، كتبت مقالا بعنوان "7 فبراير انقلاب". وكان عدد قليل جدا من الناس مستعدين لقبول حجم تهديد غولن في ذلك الوقت. ورأى كثيرون أن وصف 7 فبراير  بأنه "محاولة انقلاب" هو ضرب من الخيال والتضليل.

لم تكن محاولة شرح إرهاب منظمة غولن خارج تركيا جهدا فكريا سهلا. إن القول بأن هذه المنظمة الأصولية السلمية ذات الواجهة المدنية الخادعة- حيث تمتلك المنظمة مؤسسات في في جميع أنحاء العالم تحمل أسماء مثل "السلام" و"الانسجام" و"الحوار" و"التفاهم" -  لها جناح مسلح لم يكن عملا سهلا.

ما يزال من الممكن قراءة ردود الأفعال التي تلقيتها على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، عندما استخدمت لأول مرة مصطلح "نزع سلاح" "مجموعة غولن" في عام 2012.

كان أكبر ادعاء واجهته وتحديته بعد عام 2010 أن أتباع غولن، الذين وضعوا عشرات الآلاف من رجالهم في الجيش والشرطة والآلاف في السلطة القضائية، كان ينظر إليهم على أنهم "منظمة غير مسلحة".

قدم يوم الخامس عشر من  يوليو/ تموز تأكيدا واضحا لشكوكي العامة والموضوعية. وبالمثل، عندما جذبت أنشطة غولن اهتمامنا، بعد أن بدأت تظهر ظهورا مكثفا في وسائل الإعلام المحلية والعالمية بعد أواخر عام 2015، شعرت بالحاجة إلى كتابة مقال، في أوائل آذار/ مارس 2016 - قبل أربعة أشهر ونصف من الانقلاب - بعنوان "المكالمات الانقلابية".

كتبتُ أن أي محاولة انقلاب محكوم عليها بالإخفاق؛ لأن تركيا لم تعد نفس تركيا في الثمانينيات والتسعينيات. بالنسبة إلى مجموعة استثمرت كثيرا في تسليح نفسها، فمن الصعب أن تحتفظ بهدوئها. فمثلما يُقال إن البندقية التي تظهر معلقة على جدار في مشهد سينمائي، ستستخدم في النهاية لاطلاق النار على شخص ما، ومن شأن منظمة تضم عشرات الآلاف من العناصر المسلحة أن تسفك الدم في نهاية المطاف.

عن الكاتب

طه أوزهان

أكاديمي وكاتب أسبوعي في عدد من الصحف التركية والعالمية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس