جلال سلمي - خاص ترك برس

لا توجد بينهما حدود جغرافية متصلة، غير أن عنصر مجاورتهما لسوريا شكل بينهما العديد من المصالح البينية المشتركة، أهمها النظر في مسار حل الأزمة العالقة، في إطار خدمة مصالحهما القومية. ويمكن لهما من خلال تنسيق مواقفهما، تشكيل أداة ضغط على القوى المركزية، روسيا والولايات المتحدة، بما يكفل لهما تحقيق مكاسب تصب في صالحهما.

إنهما تركيا والأردن اللتان تعتبران دولتين إقليميتين لا تستطيعان تحقيق مطالبهما في حل الأزمة، إلا من خلال تشكيل جبهة تعاون مشتركة ترفع صوتهما قوياً في المحافل الدولية.

لقد بدا واضحاً عقب دعوة الملك الأردني، عبد الله الثاني، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لزيارة عمّان خلال شهر آب/أغسطس المنصرم، أن البلدين شرعا، فعلاً، في الاتجاه نحو تفعيل سياسة التنسيق المباشر بين الدول، كبديل لسياسة "الحرب أو التحرك بالوكالة" التي اعتمدتا عليها لفترة طويلة في إدارة الأزمة السورية، إيذاناً بتحضر الدول ذات العلاقة بالأزمة السورية، لإعادة ترتيب أوراقها في سياق ضمان حل يحاكي رؤيتها بالقدر المستطاع.

ويبدو أن زيارة رئيس الأركان الأردني الفريق، محمود عبد الحليم فريحات، الذي زار أنقرة، يوم الإثنين، 11 أيلول/سبتمبر، جاءت تلبيةً لدعوة نظيره التركي الفريق أول، خلوصي أكار، في إطار استكمال مناقشة الملفات المتعلقة بسيناريو حل الأزمة السورية بما يكفل مصالحهما المشتركة. والأرجح أن فريحات ونظيره ناقشا تفاصيل الجانب الأمني والعسكري من الخطوط العامة التي رسمتها قيادة البلدين خلال لقائهما الأخير.

وتدل دعوة العاهل الأردني للرئيس أردوغان، بعد لقاء الأخير برئيس الأركان الإيراني، محمد بقاري، أن الأردن تسعى، بعد رفض إسرائيل لما بات يُعرف باسم "الاتفاق الأمريكي ـ الروسي ـ الأردني بشأن الجنوب"، إلى تقييم التقارب الدبلوماسي الذي ظهر بين تركيا وإيران في الآونة الأخيرة، في سبيل تثبيت الاتفاق المذكور عبر إقناع إيران بتخفيف نوعية نفوذها في سوريا، وبمواصلة النظر في آلية مناسبة لفتح معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية، وبتجنيب الحدود الأردنية ـ السورية أي توتر قد ينشأ، نتيجة إقدام الميليشيات المحسوبة عليها على التحرك في درعا أو المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية الأردنية. وقد مهدت الأردن لذلك من خلال مطالبة بعض الفصائل السورية المسلحة المحسوبة عليها بالانسحاب من بعض المناطق الداخلية، كريف السويداء والقلمون الشرقية، ولكنها لا زالت بحاجة إلى تدعيم تحركها عبر دولة إقليمية ذات قدرات دبلوماسية أوسع. وتكاد تركيا تكون قادرة على إقناع إيران بتجنيب الحدود الأردنية السورية التوتر، غير أنها بحاجة إلى تنسيق وثيق مع روسيا لتخفيف نوعية النفوذ الإيراني. وفي هذا الصدد أيضاً، ربما تحاول الأردن الاستفادة من أدوات الضغط الدبلوماسية التي تملكها تركيا ضد إسرائيل في سبيل الإبقاء على اتفاق الجنوب. ومن أهم أدوات الضغط التي تملكها تركيا ضد إسرائيل يُذكر موضوع التوصل إلى اتفاق في نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، وقضية التوصل إلى توافق مشترك يؤدي إلى إنهاء الملف العالق حول موضوع العمل المشترك في استخراج الغاز الطبيعي في محيط جزيرة قبرص، ومسألة تقديم ذاتها، أي تركيا، لإسرائيل كدولة يجب دعم دورها في سوريا، لتصبح منافساً إقليمياً، ولو كان ذلك على صعيد دبلوماسي ناعم.

وفي سياق الحديث الذي يدور حول استعداد الدول الداعمة لفصائل المعارضة السورية، لا سيما الولايات المتحدة، لقطع أو لتخفيف الدعم عنها، ذلك الدعم الذي كان يُقدم عبر غرفتي "الموم" في تركيا، و"الموك" في الأردن، يصبح الطرفان بحاجة ماسة إلى تنسيق مستقبل هذه الفصائل، والنظر في إمكانية إقناع الأطراف الفاعلة في استيعاب أفراد الفصائل في سياق مؤسسات الدولة السورية، أو إبقائهم كجنود تابعين للدول الحدودية، بما يكفل لها أمنها القومي، وكبح الميليشيات الشيعية من الوصول إلى حدودها.

في الختام، قليلة هي نقاط التنسيق الأمني بين تركيا والأردن، نظراً للانقطاع الجغرافي، والحسابات الإقليمية والدولية التي تحكم كلا الطرفين. لكن يبدو أن المحاور المذكورة هي المحاور الأساسية لزيارة رئيس الأركان الأردني لأنقرة.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس