إسماعيل ياشا - أخبار تركيا

نشر المغرد الشهير "مجتهد" في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تغريدات تحدث فيها عن وجود "حملة سعودية إماراتية بميزانية ضخمة لاختراق الإعلام التركي وشراء إعلاميين ومؤسسات إعلامية ومواقع إخبارية" في تركيا، من أجل "تشويه قطر والضغط لقلب الموقف التركي ضدها"، بالإضافة إلى تحقيق هدف أكبر وهو "شحن الرأي العام ضد أردوغان وإزاحته بثورة شعبية أو بانتخابات".

قبل التعليق على ما ورد في تلك التغريدات، أود أن إشير إلى أن لدي تحفظا على كلمة "الاختراق" التي استخدمها المغرد، لأن الإعلام في تركيا يتمتع بقدر كبير من الحرية، ويمكن أن تتناول وسائل الإعلام المختلفة جميع الأحداث والملفات في إطار الدستور والقوانين، وقد يتفق بعض الإعلاميين مع سياسات دولة ومواقفها فيما يتعاطف آخرون مع أخرى. وطالما هناك إعلاميون أتراك مؤيدون لإسرائيل أو إيران أو الولايات المتحدة أو روسيا فما المانع أن يكون في الإعلام التركي آخرون يتعاطفون مع السعودية والإمارات وموزمبيق وبوركينا فاسو وجزر المالديف وغيرها لسبب أو آخر؟

مثل هذه الأنباء وصلتني قبل أن يكتبها "مجتهد". وقد سمعت من مصادر أثق بها أن أحد الأشخاص حصل قبل اندلاع الأزمة الخليجية على مبلغ ضخم من دولة الإمارات العربية المتحدة، وفتح خط التواصل مع أبو ظبي والرياض، وأسَّس بعض المؤسسات في تركيا بتلك الأموال، وبدأ ينتقد الإخوان ويثني على مواقف السعودية والإمارات، كما سمعت أن الكتب التي أصدرها مركز المسبار المثير للجدل ستتم ترجمتها إلى اللغة التركية.

هل يمكن أن تنجح هذه المحاولة، إن افترضنا صحة الأنباء المتداولة حول الموضوع؟ برأيي، هذا هو السؤال الأهم الذي يجب أن نطرحه، في ظل أجواء الحرية والانفتاح التي تشهدها تركيا، والوعي الكبير الذي يتمتع به الشعب التركي الذي أفشل محاولة الانقلاب في 15 يوليو / تموز من العام الماضي بمقاومة قل نظيرها.

المعارضة التركية لا تحتاج إلى مزيد من وسائل الإعلام لتهزم أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات. لأن وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة في تركيا أكثر من نصفها تابعة للمعارضة. وحاولت المعارضة التركية في الانتخابات السابقة ضرب سمعة أردوغان وحزبه بحملات إعلامية تقوم بها تلك الوسائل التابعة لها إلا أنها لم تنجح، بسبب مستوى الوعي الذي يتمتع به الشعب التركي. وبالتالي، لا يمكن أن تنجح محاولة تضليل الشعب التركي وحشده ضد أردوغان من خلال اثنين أو ثلاثة من الإعلاميين ووسيلة إعلام هزيلة أضعف بكثير من الآلة الإعلامية الضخمة التي تملكها المعارضة التركية.

قبل أيام، قرأت تقارير ومقالات مترجمة في الموقع التركي لصحيفة الشرق الأوسط. ولا أدري من الذي قام بترجمتها، ولكني وجدت الترجمة ركيكة. وأعتقد أنه لا أحد يعرف الموقع في تركيا أو يتابعه غير القائمين على المشروع. وكانت شبكة الجزيرة لديها موقع إخباري تركي ناجح للغاية من ناحية المهنية والجودة إلا أنه اضطر للتوقف، لأن الساحة الإعلامية التركية مليئة بوسائل الإعلام التي يتابعها الشارع التركي بمختلف أطيافه، ولا يوجد هناك فراغ يمكن أن تسده وسيلة إعلام جديدة.

إن كان هدف الحملة تشويه سمعة قطر، كما كتب "مجتهد"، فلن تنجح ما وقفت تركيا إلى جانب قطر، وسينظر القراء الأتراك إلى تلك التقارير والمقالات على أنها حملة قذرة تستهدف تركيا لا قطر. وإن كان الهدف تلميع صورة المحور السعودي الإماراتي فتلك مهمة مستحيلة في تركيا، لأن الشعب التركي يتابع مواقف البلدين من تركيا وقضايا المنطقة، كما أن مثل تصريحات السديس التي قال فيها إن السعودية وأمريكا قطبا العالم يقودان بقيادة الملك سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم والإنسانية إلى مرافئ الأمن والسلام، كافية لنسف ما يمكن أن تبنيه الحملة السعودية الإماراتية في تركيا.

باعتقادي أن الحملة التي ذكرها "مجتهد" مجرد عملية "حلب البقرة"، لا أكثر ولا أقل. ولله في خلقه شؤون، ويرزق من يشاء بما يشاء. 

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس