ترك برس

بدخول القوات العراقية مدينة كركوك بات واضحا أن حلم إقامة دولة كردية تعتمد على نفط كركوك قد تبدد، وتراجعت معه أيضا أحلام الانفصاليين الأكراد في تركيا وسوريا. وفي هذا الصدد كتب المنظر الفرنسي الصهيوني، برنارد ليفي، عراب تقسيم العالم العربي مقالا طويلا يرثي فيه نهاية الحلم الكردي، محملا القوى الغربية المسؤولية بتخليها عن الأكراد، بينما وصف باتريك كوكبرن في الإندبندنت البريطانية ما حدث في إقليم شمال العراق بالمغامرة السياسية متهما القادة الأكراد بالغرور وسوء التقدير.

وتحت عنوان "من خان الشعب الكردي" وصف ليفي في مقاله بصحيفة لوجورنال دي ديمانش الفرنسية، ما حدث في الإقليم بالحزن الذي لا ينتهي، وأن الشعب الكردي يمثل استثناء في الشرق  بانفتاحه على العالم وترحيبه بالأقليات وانتصاره للعلمانية ولمبدأ الموطنة.

وانتقد ليفي موقف القوى المؤيدة للأكراد، باسثناء إسرائيل، بسبب انتقاداتها لتوقيت إقامة الاستفتاء أو طلبها إرجاءه إلى ما بعد الحرب على داعش أو انتظار الانتخابات العامة في العراق سنة 2018.

وكشف أن أمريكا والعواصم الغربية رفضت الاستفتاء الكردي، وقارنته باستفتاء إقليم كتالونيا، رغم الفارق الكبير بين بغداد ومدريد، فلا يمكن تشبيه شعب حقيقي يريد أن يتحرر من بلد مصطنع يضطهده منذ قرن، بكتالونيا التي تعد جزءا لا يتجزأ من دولة حقيقية ديمقراطية هي إسبانيا، على حد قوله.

وحمل ليفي على موقف مجموعة الدول الديمقراطية من الاستفتاء وإدانتها ما اعتبرته ضربة لوحدة العراق وسيادته واستقراره، "وكأن بلد صدام حسين، ثم حرب عائلة بوش، والبلد الذي أصبح تحت سلطة إيران، لم يكن مسرحا لحرب أهلية لا تنتهي، خاصة، بين السنة والشيعة."

كما انتقد رفض الولايات المتحدة تسليح الأكراد بالسلاح الثقيل ومضادات الدبابات في الوقت الذي سمحت فيه بتحرك دبابات الجيش العراقي من نوع أبرامز وهامفي، واالسيطرة على كركوك.

وتطرق ليفي إلى سقوط مدينة كركوك في أيدي الجيش العراقي، وتحدث عن خيانة مسؤولين في الحزب الوطني الكردستاني، وأن هذا الاستسلام تفاوَض حوله ابن طالباني الأكبر، بافيل، مع مقرب من الجنرال قاسم سليماني، الذي ثبت أنه كان موجودا في المنطقة أثناء الإعداد للهجوم وما بعده. وينفي انسحاب قوات البرزاني من المدينة فيقول: "ليس صحيحا أن بعض أنصار البارزاني انسحبوا دون قتال. وإن كانوا قد قرروا، في بعض الحالات، ألا يقودوا جنودهم إلى المجزرة".

وهاجم ليفي موقف تركيا وإيران والعبادي ونظام الأسد الرافض للاستقلال، ووصفهم بأنهم "عصابة الأربعة حلفاء الظرفية الحالية الذين منحهم الغربيون هدية لا تقدر بثمن، وهي تجاهل ما تفعله لمواجهة الاستفتاء. كما كرر هجومه على القوى الغربية التي ارتكبت، كما يقول، "خطأ سياسيا كبيرا مضاعفا بخطأ أخلاقي، لا مثيل له، منذ أمد بعيد"، لكنه يستثني فرنسا "الوفية لميلها الداعم للأكراد، التي حاولت عقد وساطة بين البارزاني والعبادي، قبلها الأول ورفضها الثاني".

ويواصل ليفي مرثيته لنهاية حلم الدولة الكردية، فيستعرض قائمة الشعوب التي عانت أكثر مما عانى منه الأكراد وتجاهلها الغرب الديمقراطي، وفقا لرأيه، بدءا من الأرمن، ومرورا بعدم التدخل في إسبانيا أو نصر الثورة في تشيكوسلوفاكيا والتصدي لغزو الاتحاد السوفيتي، أو منع الهولوكوست، وأخيرا التخلي عن سراييفو ورواندا ودارفور.

وختم المفكر الفرنسي مقاله بالقول إن من هم في حالته ممن يعدون قضايا الشعوب الزائدة، قضايا مقدسة، تلقوا هزيمة قاسية.  

وعلى النقيض من ليفي، انتقد باتريك كوكبرن في الإندبندنت البريطانية موقف القادة الأكراد في الإقليم الذين اتهموا منتقديهم جميعا بانعدام الوطنية، ولم يكن لديهم استعداد لتقديم أي تنازلات حتى لو كان البديل الانحدار نحو الهاوية.

وفي مقال بعنوان "التاريخ يخبرنا دائما أن الاستفتاءات المبنية على أساس قومي كما حدث في بريطانيا وكردستان، لا تنتهي نهاية حسنة"، رأى كوكبرن أن سيطرة القوات الاتحادية على كركوك لم يغير الوضع السياسي في العراق فحسب بل في المنطقة برمتها. حيث لم تتمتع الحكومة المركزية في بغداد بالقوة التي تتمتع بها حاليا منذ عام 1991، وانطفأت أحلام الكرد بإقامة دولتهم المستقلة المعتمدة على نفط كركوك، وستشهد حكومة  إقليم شمال العراق، التي كانت المنارة والأمل لأكراد إيران وسوريا وتركيا، انحسار قوتها.

ودعا كوكبرن قادة الأكراد في إقليم شمال العراق إلى تحمل مسؤولياتهم عما حدث، والذي كان من بين أسبابه الانقسامات بين صفوفهم، والطمع، وسوء التخطيط والحسابات الخاطئة، مشيرا إلى غرور جميع جميع قادة حكومة الإقليم وسوء تقديرهم.

وأضاف أن الطريقة التي سعى بها مسعود برزاني لضمان مستقبله السياسي، عبر إجراء استفتاء الاستقلال، و"بالتالي التحريض على موجة من الحس القومي الكردي يصعب السيطرة عليها، ستدرس كمادة لرسائل دكتوراه في السخف السياسي"، على حد تعبيره ، مشيرا إلى أن ما حدث كان متوقعا وكان بالإمكان تجنبه.

وتابع أن إصرار البرزاني على إجراء الاستفتاء، وعلى شمل المناطق المتنازع عليها، والتي تشمل مناطق واسعة من العراق، كان تحديا منه لبغداد التي لم تقبل بمثل هذا التحدي، في الوقت الذي كانت حققت فيه أكبر انتصار عسكري لها بعد تحرير الموصل، كما أنه لم يكن هناك ما يضطرها للقبول به، بعد أن خسر البرزاني حماية أمريكا وتركيا، بإصراره على المضي في موضوع الاستفتاء رغم تحذيراتهما.

وعلاوة على ذلك فقد رفض البرزاني وعدا أمريكيا بصفقة بشروط مغرية قبل يومين فقط من موعد الاستفتاء، لكنه رفض في ظل جو من الشحن القومي الذي أصبح سائدا، والذي ساهم هو في خلقه.

ورأى الكاتب أن الإقليم بدأ مغامرة سياسية كبيرة، في بلد مقسم وضعيف، مغامرة أدت إلى إغضاب جميع جيرانه، وتوحيدهم ضده، وأن من بين الأخطاء التي تقع فيها الحركات القومية الانفصالية مثل الحركات الكردية، أنها غالبا ما تقدم وعودا أكبر بكثير من قدرتها. حيث يقدم حق تقرير المصير على أنه الحل لجميع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، ولكن الأمور تصل بسبب الشحن القومي إلى مرحلة يصعب معها التراجع مما يؤدي إلى كوارث.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!