ترك برس

التسويق السياسي للشخصيات السياسية والزعماء يندرج في إطار ما يسمى بالخطاب السياسي غير اللفظي والمتعارف عليه "بالسميولوجيا"، حيث تجد الزعيم أو الرئيس يتفاعل مباشرة عن طريق التواصل غير اللفظي (لغة الجسد/  Body Language).

بحيث يجب أن تكون حركة العين وحركة اليد وطريقة وقوفه وطريقة تفاعله متناسقة، وألا تكون هناك فجوة لكيلا يحدث رد فعل عكسي ضد الثأثير المطلوب في التسويق السياسي.

ويشترك أردوغان وبنكيران في هذا النمط من الخطاب حيث يعيدان صياغة وترقيع الخطاب اللفظي الواعي بطرق غير لفظية، يكون لها مفعول على مخيال المتلقي. فالأثر هنا ليس مباشرًا كاللفظ وإنما هو لا واعٍ، بحيث يسيطر على المخيال الفردي والجماعي الشعبي.

هذا النمط فعال جدّا لأنه يأتي ضمن تيار مستمر لأن السيطرة على المخيال تكون من دون تقطع، في حين أن اللفظ والفلتات السياسية اللفظية تكون متقطعة بحسب القضايا.

في الماضي كان ينظر إلى الكاريزما الفطرية بكونها المحدد الأساسي للزعيم السياسي، أما اليوم فلم يعد هناك حاجة إلى أن تكون هذه الكاريزما قائمة بذاتها، فقد أصبحت تقنيات التسويق السياسي كفيلة بتشكيل كاريزما قوية وبصنع شخصية الزعيم.

أما عن أردوغان وبنكيران فهما يجمعان بين الكاريزما الفطرية واعتماد أساليب التسويق العصرية في آن واحد. فكل منهما له مستشار إعلامي، له بدوره شبكة معارف في وسائل الإعلام يبث من خلالها صورة نمطية لما يريد أن يبدو به القائد أمام شعبه.

بنكيران الذي لا يعرف حتى اسمه بعض رؤساء العالم العربي كما جرى في إحدى دورات الجامعة العربية، كان يقود المغرب نحو تقدم ملموس بدأت بعض ملامحه تظهر على المواطن المغربي بعد خمس سنوات من الحكم، تذكرنا بالبدايات الأولى للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في مجال الصحة والتعليم والقضاء والبنية التحتية التي قام بها أردوغان، والتي شكلت نقطة انعطاف تركيا للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة.

الرجلان (بنكيران وأردوغان) لا يتشابهان فقط في أن حزبيهما يحملان نفس الاسم والشعار، بل أكثر من ذلك، فكلاهما له شعبية ساحقة في بلده تزكيها شخصيته القوية والمحورية في الحزب والحياة السياسية بصفة عامة، إضافة إلى خطابهما الملهم للجماهير وللرأي العام.

ورغم توفر مجموعة من النقاط المشتركة بين حزبي العدالة والتنمية التركي والمغربي فإن الاختلاف المركزي بينهما يرتبط أساسا بطبيعة الحكم في كل دولة بين الملكية المختلطة (بين الدستورية والمطلقة)، والجمهوري في تركيا الذي يعرف تداولا حقيقيا للسلطة، فإن حكومتي العدالة والتنمية المغربي والتركي من النماذج التي ما زالت محافظة على الاستقرار في بلديهما.

وبغض النظر عن الحصيلة والنتائج التي حققها الحزبان من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال فترة حكمهما، والتي ترجح كفة حزب العدالة والتنمية التركي دون منازع، فإن مسارهما في التسويق السياسي يتميز بالقوة والنوعية والقدرة على تأطير الفضاء العمومي.

الحزبان معا يركزان على استخدام ميكانيزمات وآليات ووسائل التسويق السياسي، خصوصا من طرف زعيمي وقائدي الحزبين اللذين لم ينهزما لحد الآن في أي انتخابات خاضاها.

ومنه فإن تجربة الحزبين خير دليل على أهمية اعتماد التسويق السياسي في البلدان السائرة نحو بناء دولة ديمقراطية. وليس حكرا على الدول الديمقراطية التي تمتلك ترسانة وماكينة إعلامية قادرة على صنع الصورة التي تريدها في ذهن الأفراد في مختلف بقاع العالم.

الأولية التي أعطاها كل من حزبي العدالة والتنمية المغربي والتركي لتقنيات التسويق السياسي كانت من بين أسباب نجاحهما. حيث عملا على تسويق الإنجازات الصغيرة والكبيرة، وعلى صنع صورة الزعيم في ذهن "المستهلك" السياسي "الناخبين".

وذلك من خلال التحكم في "السيمولوجيا السياسية" لقادة هذه الأحزاب، وبتقديم خطاب لفظي يعتمد لغة بسيطة شاملة تستحضر النسق الأخلاقي والبعد الإنساني، وتخاطب جميع فئات المجتمع، ترافقه لغة جسد مدروسة بدقة قادرة على جعل زعيمي الحزب ظاهرة سياسية في بلديهما. وتقود الحزبين من نجاح إلى نجاح.


جاء ذلك في تقرير صادر عن مركز "إدراك" للدراسات والاستشارات، تحت عنوان "التسويق السياسي عند حزبي العدالة والتنمية التركي والمغربي".

التقرير يُشير إلى اشتراك حزبي العدالة والتنمية التركي والمغربي في كونهما خرجا من رحم الحركة الإسلامية القريبة من فكريا الإخوان المسلمين. ورغم أن البعض يعتبرهما من الإخوان المسلمين لكن يؤكد الحزبان في كل مناسبة أنهما لا ينتميان إلى هذا التنظيم العالمي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!