ترك برس

بعد الفتح العثماني لتونس سنة 1574م بدأ التونسيون يتوافدون إلى إسطنبول، عاصمة الدولة العثمانية، وكان عددهم يزيد وينقص حسب الحُقب الزمنية، وفق تقرير نشره موقع "رصيف22" للكاتب والمحلل التركي "محمد زاهد غول".

وكان من الجالية التونسية مختلف أنواع البشر؛ منهم من يعمل بالتجارة، ومنهم البحارة، ومنهم رجال الدين، ورجال الدولة، ومنهم الطلاب والعسكريين واللاجئين السياسيين، والسياح وغيرهم، وكان أيضاً منهم من أمّه تونسية وأبوه عثماني.

في الفترات الأولى كان جامع العرب في منطقة غلطة وما حولها هو مكان للعبادة واللقاءات والتجمعات للمصريين والمغاربة، أما التونسيون فقد فضّلوا الاستقرار والاستيطان حول الجوامع الكبيرة الموجودة في بعض المناطق مثل: الفاتح، والسليمانية، وأُسكدار، وأيوب وغيرها.

**هجرات تونسية سياسية إلى إسطنبول في السلم والحرب

بدأت الطبقة الحاكمة في تونس باللجوء إلى إسطنبول وترك تونس لأسباب سياسية، فاستقرَّ بعضهم في إسطنبول بشكل دائم وبعضهم بقي فيها مؤقتاً، ومنهم: الوالي حسين بن علي، وهو الذي استولى على الحكم في تونس بعد سنة 1705م، وورّث الحكم لأولاده وسُميت سلالته الحاكمة بالدولة الحسينية.

وكلما تغير هؤلاء السادة من الحكم كان يأتي قرار تعيينهم في أماكن أخرى، وكان الباشوات الحسينيون يُرسلون الهدايا إلى إسطنبول مع الهيئات الرسمية.

وفي زمن الحرب كان يأتي من تونس العديد من الهيئات للمساعدة، وكان يتم استقبالهم في إسطنبول أحسن استقبال، وكانت الدولة تتكلف بدفع كل مصاريفهم، وجرت هذه العادة حتى عام 1881م حيثُ أصبحت إسطنبول في العديد من المرات ملجأ للتونسيين الذين كانت حياتهم مهددة بالخطر في تونس.

بدأ في بداية القرن الثامن عشر وكلاء ونواب الباشوات التونسيون بمهام خدمة التونسيين بما ينفعهم من حمايتهم وأعمال الوراثة وما شابه أي أنهم اهتموا بمصالح الناس ومنافعهم في شتى الاحتياجات في المدن الخاضعة للإمبراطورية العثمانية، مثل: إسطنبول، وإزمير، والإسكندرية، والقاهرة، استناداً إلى القوانين التي صدرت إلى المدن المركزية والمدن النائية والأرياف.

مثل قانون سنة 1730م وقانون سنة 1808م وغيرها، ومفاد هذه القوانين أنّه تم إعفاء التونسيين من الضرائب في كل المدن بالدخول والخروج والسفر، بالإضافة لحماية وحفظ ميراث الموتى والحقوق الأخرى.

وقد تأثر التونسيون بالحياة الثقافية لإسطنبول، ومن عاد إلى تونس نقل الكثير من العادات الجميلة معه، بالإضافة إلى أنَّ الكثير من العادات والتقاليد التونسية، نُقلت إلى إسطنبول وصار الانسجام والتداخل فيما بينها في ميادين الفن والدبكات الشعبية والمأكولات، وزادت فعاليات وتواجد التونسيين في إسطنبول في القرن التاسع عشر.

**التونسيون في الجيش العثماني

قرر السلطان محمود الثاني، ومحمد علي باشا في القاهرة القيام بإصلاحات للجيش وتطويره، فذهب الوالي التونسي طالباً من السلطان محمود الثاني أن يَضُمَّ العساكر التونسيين لهذا الجيش، ويتم تدريبهم وتعليمهم الإدارة وإعطائهم الألبسة الخاصة.

فتم إرسال مجموعة من العساكر التونسيين إلى إسطنبول وتم تدريبهم وإلباسهم لباس التدريب العسكري، وهكذا كونوا الخلية الأولى من خمسة آلاف شخص من التونسيين.

وفي حرب القرم تم إلحاق القوات التونسية لمساعدة الجيش العثماني، وانتقل 12 ألف شخص من القوات التونسية بقيادة رشيد باشا بالسفن إلى إسطنبول، وشاركوا بالاحتفال بالعرض العسكري أمام السلطان عبد المجيد، ثم أُرسلوا إلى منطقة القرم، ولكنهم لم يكونوا في الخطوط الأمامية بل كانوا في مؤخرة الجيش للمساندة.

وعند انتهاء الحرب تمكن نصفهم فقط من العودة إلى إسطنبول، وقد تم كتابة الكثير من القصص البطولية عنهم، وعند انتهاء الحرب تم انضمام الكثير من الرُّتب العسكرية التونسية إلى الجيش العثماني، وأحدهم الضابط "ديلافر" الذي نشأ في تونس وأصله من مماليك القوقاز.

وكان هذا الضابط مسؤولاً عن سفينة اسمها بشير، وترقى في سنة 1878م فأصبح باشا، وعمل أيضاً كقائد للأُسطول البحري في إسطنبول لسنين طويلة، واستطاع المشاركة في الحرب بين 1877- 1878م، وتُوفي في سنة 1879م.

**التونسيون في الوظائف المدنية للدولة العثمانية

في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بدأ عددٌ كبيرة من الوافدين التونسيين بالهجرة إلى العاصمة إسطنبول، وكانوا من الأخصائيين في مجالات عديدة، وبعضهم استلم وظائف في إسطنبول.

وكان محمد بن محمود باشا من أكثر التونسيين شهرةً في إسطنبول، وكان ذا ثروة كبيرة، سافر إلى فرنسا بعد خلاف مع الحكومة التونسية وبقي فيها حتى عام 1857م.

وقد أتى إلى اسطنبول على أنه السفير الفرنسي، وكان الرائد الأجنبي الأول في الأمة الإسلامية في ذلك الوقت، وكان يُخطط لافتتاح مصرفٍ في إسطنبول، وكان يعيش في قصر فخم في منطقة السلطان أحمد، واشتهر بين الناس بأنَّ لديه مالاً بقدر مال قارون، فكان غنياً وصاحب ذوق، وكان يعيش برفاهية.

وكان محمود باشا محلّ مدحٍ لدى الكُتّاب والأدباء مثل الكاتب نامق وأصدقائه، وفي السنوات الأخيرة من عُمُر محمود باشا ترك حياة الرهف والمتعة واتجه إلى العبادة والزهد حتى توفي في 18 شباط 1880م.

ودُفن بالقرب من قبر السلطان أحمد قبالة البحر، وبعد وفاته قدّم أولاده وأحفاده بعض الخدمات الجميلة والإنجازات المفيدة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!