د. مصطفى حامد أوغلو  - خاص ترك برس

تعيش تركيا هذه الأيام أحداثاً متسارعة، ويصعب على البعض متابعة واستيعاب هذه التغييرات المتتالية والسريعة.

قبل عامين عاشت تركيا حدثا عظيما وزلزالاً كاد يودي بكل مكتسبات العدالة والتنمية خلال الخمس عشر سنة الماضية، ويقود تركيا إلى جهة مجهولة العواقب. ورغم هذا الحدث الجلل خاضت تركيا الاستفتاء الدستوري للانتقال للنظام الرئاسي، وبعدها بعام تقريبا جاءت الانتخابات في الربع والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، لتمنح رئيس الجمهورية طيب أردوغان كافة الصلاحيات الرئاسية والتنفيذية، ليعلن عن التشكيلة الوزارية الجديدة لأول مرة ضمن النظام الرئاسي الجديد.

مما لا شك فيه أن إعلان الحكومة الجديدة يختلف عن كل الحكومات السابقة، وهو بمثابة بداية مرحلة جديدة بالنسبة لتركيا ولنظام الحكم والإدارة. ومن هنا كان الترقب والاهتمام في ذروته.

فهي أول حكومة رئاسية من خارج البرلمان، وليست بحاجة لنيل الثقة والتصويت على برنامجها.

وهي أول حكومة بعد تقليص عدد الوزارات واستحداث مكاتب ومجالس رئاسية رديفة ورقابية ضمن النظام الرئاسي الجديد.

وهي أول حكومة يكون عدد التكنوقراط بها أكثر من المنتمين للحزب والبرلمان.

وهي أول حكومة تتشكل من أسماء لم تكن لامعة ومعروفة.

القراءة الأولية والسريعة لأسماء الوزراء قسمت المتابعين إلى قسمين.

القسم الأول، الذين قرؤوا روح التغيير والنظام الرئاسي الجديد وتطلعات رئيس الجمهورية، فوجدوا أن هذه التشكيلة تحمل الكثير من الرسائل والمبشرات والآمال بما يتواكب مع المرحلة الانتقالية الجديدة....

والقسم الثاني، تفاجأ ببعض الأسماء الشابة وغير المعروفة سابقاً من جهة، وما يتعلق بالملف الاقتصادي من جهة أخرى، وربما هذا  هو سبب الاستجابة السلبية ومؤشرات تراجع  الليرة التركية وإن كان الأمر سابقا لأوانه...

لكن برأيي، أن المتفحص بعمق لهذه الأسماء الجديدة يجد عدة مؤشرات هامة وإيجابية ومبشرات لنجاح هذه الحكومة الأولى في بداية النظام الرئاسي الجديد...

أولاً: لمسة "التغيير" الذي يقوده أردوغان بتركيا، منذ اليوم الأول من بدء مسيرة العدالة والتنمية، حيث خرج أمام الجماهير وقال بكل وضوح وجرأة: "لقد تغيرت وخلعت القميص الذي أصبح ضيقاً على من يريد قيادة تركيا نحو مرحلة متقدمة".

"التغيير" في أشكاله المتعددة، في اختيار وزراء من خارج البرلمان، ومن خارج الحزب، ومن الأسماء الشابة وغير المعروفة ومن القطاع الخاص وليس من موظفي الدولة فقط... كل نقطة من هذه النقاط تحتاج لشرح وتوقف عندها...

ثانياً: محافظة رئيس الجمهورية على الوزارات الأساسية التي أثبتت نجاحاً في الفترة السابقة، الخارجية والداخلية والعدل ويمكن إضافة الدفاع والمالية أيضاً... وهذا مؤشر لاستمرارية السياسة الخارجية ومحاربة الإرهاب...

ثالثاُ: صحيح أن هذه الأسماء شابة وغير معروفة بالنسبة للكثيرين، لكنها تملك خبرة لا يستهان بها، وتحمل شهادات علمية تؤهلهم للنجاح والانجاز .وهنا تجتمع الخبرة مع المعلومة مع الهمة والنشاط والعزيمة وهذه كلها مقومات أساسية للنجاح...

فوزيرة العائلة والعمل، التي هي أصغر وزيرة وستجمع بين وزارتين هذه المرة، هي ابنة وزير الثقافة السابق، وهي شعلة من النشاط والكفاءات والخبرة، ومحط ثقة لدى الرئيس.

ووزير الزراعة والثروة الحيوانية هو ابن وزير المالية في عهد الرئيس الراحل تورغوت أوزال، وهو أيضا يحمل إنجازات وخبرات هامة في كثير من المجالات المتنوعة...

وكذلك وزير السياحة الذي هو صاحب "ماركة"، وأثبت نجاحاً مميزاً  وسريعاً في عمله الخاص، وهو ابن هذه الوزراة وليس بعيدا عنها.

وزير الصحة الذي يترأس اليوم أكبر مؤسسة وقفية وجامعة خاصة، يعرف سلبيات ومعوقات وتطلعات المريض والطبيب بآن واحد.

وهذا ينطبق على كل الاسماء الجديدة...

رابعاً: وزير التعليم ربما هو الوزير الذي نال ترحيباً من كل شرائح المجتمع وتفاؤلاً بأن يكون هناك نجاحٌ هذه المرة، حيث تعاني هذه الوزارة من عدم الاستقرار على رؤية واضحة حتى الآن... فهو يملك خبرة الدولة والعمل الخاص ومعروف عنه أن صاحب باع طويل في هذا المجال...

خامساً: الملف الاقتصادي الذي ربما فاجأ توقعات الجميع، وخاصة المؤسسات الاقتصادية والمستثمر الخارجي، وربما هذا هو سبب تراجع قيمة الليرة التركية بعد تسليم الملف لصهر الرئيس بشكل كامل. لكن برأيي أن رئيس الجمهورية يثق بالنجاح لكنه يراهن على الوقت. أولاً لأنه يثق بكفاءة وخبرة الوزير "القديم الجديد" الذي أثبت نجاحا سريعا في وزارة الطاقة، ونجاحا في القطاع الخاص قبل ذلك. وثانيا سيكون هناك انسجامٌ في القرارات الاقتصادية كما كان هذا الانسجام مع بن علي يلدرم في رئاسة الوزراء، وكي لا يتكرر الخلاف مع وزير المالية شيمشك كما حصل مع داوود أوغلو، ثالثاً واذا عدنا لبدايات العدالة والتنمية وكيف تم تسليم الملف الاقتصادي لعلي باباجان الذي لم يكن معروفا يومها، وكيف استطاع النجاح ونيل ثقة كل المؤسسات الاقتصادية، التي تطالب بعودته اليوم، الوقت فقط هو ما تحتاجه تركيا اليوم لتحقيق النجاح مرة أخرى وخاصة في المجال الاقتصادي الذي هو من أهم أولويات رئيس الجمهورية هذه المرة، حيث تم التركيز على هدف رفع مستوى الرفاهية في المرحلة القادمة. وهذه رسالة الناخب التي توقف أردوغان عندها وقال لقد وصلت الرسالة.

سادساً: ربما أهم صفة تجمع هؤلاء الوزراء "المصداقية" التي ذكرها أردوغان و"العمل الدؤوب الذي يحبه أردوغان" و"امتلاك زمام المبادرة" وهي شخصية أردوغان و"العمل بصمت" الذي خبرهم به أردوغان، بالإضافة إلى الخبرة والشهادات العلمية، وربما هذه الصفات هي التي جعلت الرئيس يختارهم على أساسها... وهي مقومات النجاح والإنجاز...

حكومة تختلف عن كل سابقاتها من حيث الشكل والجوهر والهدف... والتحدي...

وبعيدة عن المناطقية والحزبية والمحاصصة...

حكومة مؤهلة  للنجاح أكثر من غيرها...

كل ما تحتاجه الوقت...

والوقت هو الذي سيحكم على نجاحها من عدمه...

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس