ترك برس

حدد الخبير المغربي المتخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي، الدكتور طارق ليساوي، ثلاثة أسباب رئيسية حقيقية وراء تراجع الليرة التركية التي سجلت انخفاضا أمام الدولار بنحو17%، خلال اليومين الماضيين لتتجاوز حاجز الست ليرات للدولار.

وأول هذه الأسباب رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة. وهذا الإجراء أدى على المدى القريب إلى زيادة الطلب على الدولار في الأسواق المالية، ذلك أن الاستثمار في الأصول المقومة بالدولار الأمريكي أصبح أكثر جاذبية من الأسواق الناشئة مثل تركيا، وهو ما دفع المستثمرين إلى تحويل رؤوس الأموال خاصة الساخنة، من الأسواق الناشئة إلى السوق الأمريكي.

وقد أدى ذلك إلى ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، وهوما انعكس سلباً على الاقتصاد التركي، خصوصاً في ظل اعتماد تركيا على استيراد الطاقة، الأمر الذي رفع تكاليف الاستيراد وزاد من أعباء الديون التركية المقومة بالدولار الأمريكي.

السبب الثاني، هو تباين وجهات النظر المتعلقة بالسياسات النقدية داخل تركيا. فالحكومة التركية لها وجهات نظر مخالفة عن البنك المركزي التركي وبعض البنوك حول رفع أسعار الفائدة، فالحكومة ترى أن رفع الأسعار سيؤثر سلبًا على خطط الحكومة الاستثمارية والتوسعية. بينما يرى البنك المركزي التركي ضرورة رفع سعر الفائدة حتى يتم السيطرة على معدلات التضخم، كما أن  رفع سعر الفائدة سيساهم في رفع حجم الودائع ويحد من حدة نزيف العملة التركية.

ثالثا، أن تركيا تعيش منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة حراكا سياسيا وتحولا دستوريا وانتقالا من نظام سياسي برلماني إلى نظام رئاسي وإجراء انتخابات مبكرة، وكلها أمور ولدت حالة من اللاستقرار في الأسواق، سرعان ما تزول في ظل حكومة قوية مستقرة.

ويلفت المحلل المغربي إلى أن حالة التضخيم الإعلامي من انخفاض قيمة العملة وتصوير ذلك على أنه بداية انهيار الاقتصاد التركي، فيه مجانبة للصواب؛ لأن انخفاض العملة له وجهان سلبي وإيجابي، فمن ايجابيات الإنخفاض، ارتفاع تنافسية الصادرات التركية في الخارج، وزيادة الوافدين على تركيا بسبب انخفاض الكلفة، وهو ما يعني تحسن الميزان التجاري التركي وزيادة احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.

ولكن ليساوي يستدرك أنه ينبغي التعامل بجدية وصرامة مع انخفاض قيمة العملة، خاصة في ظل الهجوم السياسي العنيف على تركيا من الغرب وبعض حكام الخليج، فمن المحتمل أن تكون حرب العملة مقدمة لانهيار اقتصادي أكبر وأخطر.

ودعا الباحث المغربي تركيا إلى الاستفادة من الأزمة الاقتصادية التي ضربت النمور النمور الأسيوية في التسعينيات، وأخدها في الحسبان، حين رضخت لشروط صندوق النقد الدولي، ومن بينها خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب وأسعار الخدمات العامة وزيادة أسعار الفائدة وتقييد الائتمان المصرفي، وهو ما نتج عنه موجة إفلاس وتصفية أغلب الشركات المحلية، مما أدى إلى زيادة عدد العاطلين، وارتفاع نسبة الفقر.

وأضاف أن من يحلل السياسات المالية والنقدية المتبعة في تركيا منذ مطلع الألفية الثالثة، يلاحظ أنها تتبنى المنهج الصيني والماليزي في الإنفتاح والتحرير المالي، وهومنهج أثبت فعاليته في مواجهة أثار الأزمة الآسيوية للعام 1997 والأزمة المالية لعام 2008.

وأشار إلى أن  الأداء الجيد للاقتصاد التركي، دليل على نجاح سياسة الإصلاح الاقتصادي، وفعالية السياسات المتعلقة بالانفتاح التجاري والاستثماري، ورصانة السياسات المالية والنقدية، وفعالية الدبلوماسية الاقتصادية التركية.

ووفقا للمحلل المغربي،فإن أفضل سياسة يمكن لتركيا تبنيها لمواجهة انخفاض قيمة العملة، هي المحافظة على حزمة السياسات التي صنعت طفرتها الإقتصادية، مع ضبط تدفقات رؤوس الأموال نحوالخارج، وتبني سياسة نقدية مرنة لمواجهة التحديات الناشئة، والتتبع اليومي لقيمة العملة المحلية صعودا ونزولا. كما أن ضبط مستوى العجز في الميزان التجاري مطلب ضروري على المدى المتوسط.

وإلى جانب هذه التدابير المالية والنقدية، يرى ليساوي أن تركيا مطالبة بتبني سياسة دبلوماسية أكثر مرونة لاسيما مع بلدان الجوار الإقليمي، فمن دون شك أن الحرب والفوضى في سوريا والعراق وعموم الإقليم، أضرت بالصادرات التركية، فنجاح الصادرات التركية في غزوالأسواق العربية كان بفعل القوة الناعمة لتركيا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!