ترك برس

تناول تقرير لمركز "Valdai Discussion Club" البحثي الروسي، الأسباب التي دفعت موسكو إلى تقديم تنازلات لأنقرة في اتفاق التسوية الأخيرة بشأن محافظة إدلب، وقبول الطلب التركي بعدم شن عملية عسكرية واسعة على المحافظة، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح، لافتا إلى أن موسكو تركز اهتمامها على شرق سوريا الغني بالنفط والغاز أكثر من إدلب.

وأوضح التقرير أن غالبية سكان إدلب التي  تعارض حكم بشار الأسد اخترقتها بعض المجموعات "المتطرفة"، وتمركزت هناك أكثر الجماعات عنادًا وتجهيزًا للقتال في إدلب بعد سيطرة النظام على درعا وحلب والغوطة الشرقية. وما يوحد كل هؤلاء هو أنهم يعارضون الأسد وحكومته.

وأضاف أن من الواضح أن بعض الجماعات المسلحة في إدلب تتأثر بتركيا، ولهذا السبب قدمت روسيا عددا من التنازلات إلى أنقرة حتى يتمكن الرئيس التركي أردوغان من التعامل مع المتطرفين، لا سيما أن تركيا تعرف المجموعات الموجودة في إدلب وكيفية التعامل معها.

وأشار إلى أنه من غير الواضح كيف ستحاول تركيا التفاوض مع أبي محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، الذي تهيمن جماعته على "هيئة تحرير الشام" على مناطق واسعة من إدلب، ولذلك فإن التحدي الذي يواجه أردوغان هو فصل المتطرفين عن قوى المعارضة المعتدلة والضغط على المتطرفين بعد ذلك.

ورأى التقرير أن النتائج التي ستحققها تركيا في إدلب حتى كانون الأول/ ديسمبر 2018 ستحدد مستقبل العملية السياسية في سوريا إلى حد كبير، وقال: "فإذا تم حل المشكلات مع الراديكاليين، سيكون لدى تركيا المزيد من الفرص للتأثير في العملية السياسية في المستقبل."

أما السبب الثاني الذي دفع موسكو لتقديم التنازلات، وفقا للتقرير، فهو أنها تحتاج إلى مزايا لوجستية وليس السيطرة على إدلب في المقام الأول.

وبين أن موسكو كانت مهتمة اهتماما كبيرا بفتح الطريق M5 الرابط بين دمشق وحلب، وهو الطريق السريع المباشر والأفضل إعدادًا، والذي من شأنه تسهيل التحكم في جميع الخدمات اللوجستية المتاحة. وعلاوة على ذلك فإن اتفاق بوتين وأردوغان يتوخى فتح الطريق M4 إلى اللاذقية.

وبحسب التقرير، فإن مهمة موسكو الاستراتيجية هي الاتفاق على الهيكل الأمني حول إدلب، إذ  من الأهمية بمكان بالنسبة إلى موسكو تدمير بعض الجماعات المتطرفة المتمركزة في إدلب التي تضم  مقاتلين من الدول السوفيتية السابقة، بما في ذلك من القوقاز. وإذا نفذت خطط إنشاء منطقة منزوعة السلاح، فإن المجموعات القائمة على طول حدود إدلب، والتي هي في الواقع خط المواجهة، ستضطر إلى التخلي عن حصونها والبنية التحتية اللوجستية.

أما من الناحية الاستراتيجية، فإن مصير إدلب، كما يقول التقرير، ليس جوهريا  بالنسبة لروسيا. لكن من المهم عدم تعرض القاعدة الجوية الروسية في اللاذقية لأي خطر. ومن ثم فإن الاستقرار في إدلب وإن كان مجمدا فهو أمر مقبول.

واستبعد التقرير أن تكون تركيا راغبة في فصل إدلب عن دمشق وضمها إلى أراضيها، بل تسعى للتوصل إلى اتفاق مع حكومة النظام. وفي مثل هذه الحالة، يمكن أن يصبح تطهير إدلب من المتطرفين ورقة رابحة في يد أردوغان.

ولفت التقرير من جديد إلى أن ما يهم موسكو والنظام السوري من الناحية الاستراتيجية ليس إدلب، ولكن منطقة شرق سوريا، حيث تتركز مخزونات النفط والغاز وهي أكثر أهمية بكثير. هذه المنطقة تسيطر عليها الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة. وترغب إدارة ترامب في الحفاظ على وجودها هناك إلى أن تبدأ عملية سياسية "موثوقة" حسب قولها.

هذه المنطقة ستكون محور المفاوضات بين حلفاء النظام السوري، ومن يدعمون الميليشيات الكردية، أي الولايات المتحدة.

وأخيرا رأى التقرير أن على روسيا أن تتخذ موقفا متحفظا إزاء تلك المفاوضات، حتى تظهر التطورات ما يتماشى مع مصالحها. وفي هذا الصدد يمكن أن يكون الدور التركي مؤثرا، إذا اقترح الأتراك الرافضون لوجود الميليشيات الكردية في شرق سوريا حلولا لتسوية الوضع، من أجل الحفاظ على وحدة أراضي سوريا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!