عبد القادر سلفي – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

"هو أمين مستودع أسراري، ومستودع أسرار الجمهورية التركية، ومستودع أسرار مستقبل تركيا، أنا الذي أرسلته إلى سجن إمرالي، وأنا الذي أرسلته إلى أوسلو، علينا أنْ نكون ناجحين في مكافحة الإرهاب، وأنا راضٍ تمام الرضا على جهوده وغيرته على عمله، فهو أكسب الدولة التركية في الماضي وفي الحاضر الكثير الكثير، وكان جيدا عندما كان مستشارا، وعندما كان رئيسا لتيكا، فيجب علينا أنْ نعطي كل ذي حق حقه، وهو يستحق هذا الثناء".

هذه الكلمات قالها اردوغان رئيس الوزراء، قالها بعد أزمة جهاز الاستخبارات الذي حدثت بتاريخ 7 شباط، حيث وقف اردوغان خلف هاكان فيدان حينما تم كشف المحادثات السرية مع الأكراد التي جرت في أوسلو، وأرادوا إنهاء ملف حاقان فيدان من خلال اتهامه بالخيانة العظمى، إلا أنّ اردوغان حال دون تحقيق ذلك.

"جهاز الاستخبارات ليس أي مؤسسة عابرة، ونحن لا نستطيع أنْ نضع أي شخص على رأسها بسهولة، فهو منصب صعب وبحاجة إلى من يستطيع قيادته، فالشخص الذي سيشغل هذا المنصب يجب أنْ يكون محل ثقة مطلقة، لهذا أنا أضع في هذا المنصب الرجل الذي أثق به بأقصى درجة، حتى إنني أرى فيه أمين مستودع أسراري، لهذا قلت له بصراحة "لا أنظر لموضوع استقالتك بإيجابية"، ومع ذلك أخبرنا بأنه لا يستطيع الاستمرار أكثر في هذا المنصب لأنه أتعبه، واتخذ القرار بالاستقالة، لأنه رأى بذلك الأفضل بالنسبة له".

وهذه الكلمات تعود لاردوغان رئيس الجمهورية، وقد تحدث بذلك بعد تقديم حاقان فيدان لاستقالته من أجل الترشح للبرلمان.

لا يوجد اردوغان بشخصيتين، ولا يوجد حاقان فيدان بشخصيتين، لكن هناك تقيمين اثنين مختلفين للمسألة.

لم يكن حاقان فيدان مجرد مسئول في الدولة، وإنما كان رئيسا لجهاز الاستخبارات، لهذا اتخذوه أول هدف لهم على طريق الانقلاب على اردوغان، لأن حاقان فيدان كان من أكثر الأسماء التي يثق بها اردوغان، وكان أمينا لمستودع أسراره، لهذا لم يسمح لهم بالمساس به، لأنه كان يعلم أنّ المطلوب من عمل ذلك هو الإطاحة باردوغان نفسه.

لم يكن حاقان فيدان بالنسبة لاردوغان مجرد رئيس لجهاز الاستخبارات، ولم يكن مجرد أمين لمستودع الأسرار، وإنما كان يمثل رمزا لاستقلال الاستخبارات التركية على نظرائها في الغرب.

اعتاد جهاز الاستخبارات التركي على عدم إعطاء المعلومات الضرورية لرئيس الوزراء قبيل الانقلاب عليه، وإنما كانوا يزودونها للجيش، ولا شك أنّ شنّ إسرائيل حملة على حاقان فيدان قبل أنْ يصبح رئيسا لجهاز الاستخبارات كان يحمل دلالات هامة، لأنه كان يدل على عمق العلاقات التي كانت تربط بين جهاز الاستخبارات التركي وبين الموساد سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.

كان حاقان فيدان عنصرا هاما في نشاط جهاز الاستخبارات التركية، ولكن هذه المرة ليس لتنفيذ أوامر منظمات الاستخبارات الغربية، وإنما لتحقيق مصالح الجمهورية التركية على الصعيدين الداخلي والخارجي.

وجد اردوغان ضالته في حاقان فيدان ليكون رئيسا لجهاز الاستخبارات، فهو رجل محل ثقة وعملي ووطني، لذلك قام بتحويل مسئولية رئاسة الأنظمة الالكترونية ومركز التنصت من قيادة الجيش إلى منظمة الاستخبارات، لذلك أصبحت كل تلك المسئوليات على عاتق حاقان فيدان.

ماذا يعني إصرار حاقان فيدان على الترشح للبرلمان برغم مناقشته للموضوع مع اردوغان والذي قال له "لا تترشح"؟

كيف يجب أنْ نقيّم وقوف اردوغان ضد قرار ترشح حاقان فيدان؟

لن أتحدث عن الكواليس، وإنما سأتحدث بأسماء أشخاص يعرفون كلا من اردوغان وحاقان فيدان عن قرب، فسلوك اردوغان من الممكن وصفه "بخيبة أمل"، لأن حاقان فيدان كان يقود مشاريع هامة جدا، لعل أبرزها عملية السلام، التي وصلت إلى مرحلة حساسة ومفصلية، لكنها لم تصل إلى النهاية بعد.

أما المشروع الآخر فيتمثل بمكافحة التنظيم الموازي، الذي ما زال في بدايته، ومن جهة أخرى، كان حاقان فيدان يدير جهاز استخبارات تركي صاحب الدور الأبرز على المستوى الإقليمي.

يُقال أنّ اردوغان يشعر بخيبة الأمل هذه، لأن كل تلك المشاريع والأعمال وصلت إلى مرحلة حساسة ومفصلية، فترك حاقان فيدان لمنصبة بهذا التوقيت بالذات وتفضيله للسياسة جعل اردوغان يتصرف كما رأينا.

طلب أحمد داود أوغلو، أثناء تشكيله للحكومة الثانية والستين، اسم حاقان فيدان ليكون رئيسا للخارجية، لكن اردوغان كان معارضا لهذا الطرح أيضا في ذلك الزمن.

5 سنوات من رئاسة جهاز الاستخبارات ربما أتعبت حاقان فيدان، لكنني لا استطيع أنْ اقتنع أنّ هذا هو السبب الوحيد ليقدم حاقان فيدان استقالته من أجل الترشح ليكون نائبا في البرلمان.

في المقابل لا يمكن لحاقان فيدان بعد كل هذه التجربة أنْ يقدم استقالته من أجل أنْ يستريح في بيته، وإنما عليه أنْ يقدم خبرته وتجربته من خلال منصب مناسب لما تراكم عنده من خبرات وما وصل إليه من مرتبة، باسم الولاء والوفاء.

بالإضافة إلى أنّ حاقان فيدان رجل عملي وصاحب قوة، ونشأ وترعرع ليكون كذلك، لهذا لا أرى أنّ السبب الوحيد لاستقالته هو "التعب والإرهاق"، فعندما أصبح أحمد داود أوغلو وزيرا للخارجية أصبح جهاز الاستخبارات التركي من أهم العناصر التي تؤثر على سياستنا الخارجية سواء على صعيد الشرق الأوسط أو على الصعيد الدولي.

كان رئيس الوزراء داود أوغلو يسعى لأنْ يرى حاقان فيدان كزميل له في عالم السياسة، لذلك سعى ليكون حاقان فيدان ضمن طاقم حكومته، من أجل أنْ يدعمه ويكون إلى جانبه، وبناء عليه اعتقد أنّ قرار استقالة حاقان فيدان كان مدعوما من رئيس الوزراء من أجل أنْ يكون إلى جانبه في عالم السياسة، ليكونا أكثر قوة في دعم رئيس الجمهورية اردوغان.

لكن من أجل أنْ يأخذ منصبا كوزير للخارجية، سيتطلب ذلك إعادة تشكيل رئاسة جهاز الاستخبارات وهذا قد يؤثر كل المشاريع من عملية السلام وحتى أصغر عمل كانت تسعى تركيا إلى تحقيقه.

يا ليتهم استطاعوا تحقيق ذلك دون التعرض لحوادث سير على الطريق، لأننا لا نستطيع أنْ نجد زعيما كاردوغان بصورة سهلة، وأحمد داود أوغلو وحاقان فيدان ليسا شخصين من السهل الحصول على مثليهما، فعلى حاقان فيدان أنْ يرى كيف وصل موضوع هذه القضية، ليتصرف بسهولة وكصاحب مسئولية.

ولا ننسى أنّ "العتب منبعه المحبة".

عن الكاتب

عبد القادر سلفي

كاتب في صحيفة حرييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس