فراس السقال - خاص ترك برس

إنّ جميع الشعوب المقهورة تسعى إلى الحرية والعدالة والديمقراطية، المسلوبة منها بفعل أنظمة فاشية فاسدة مستبدة، وأنظار تلك الشعوب اليوم تتطلع إلى دولة القانون والديمقراطية في تركيا، فيغبطون شعبها على هذه النعمة الفريدة، ويدعون الله أن يرزقهم حكومات صالحة كحكومة تركيا، وإدارات كإدارتها الرشيدة.

فإن كانت ديمقراطية تركيا بالمعنى السامي والجميل، المعنى الذي يمنح العدالة للشعوب، ويحترم الانسانية بالوقوف مع المظلوم ضد الظالم، فلا حرج ولا بأس في هذه الديمقراطية المطلوبة المنشودة..

أما إن كانت الديمقراطية التي تريدها بعض الفئات المعارضة، كديمقراطية بعض الدول الأوروبية الغربية، التي تدّعي الحرية وهي براء منها، فتجيّرها كما تشاء بازدواجية وتحيز، فلا تنصر مظلومًا، ولا تحاسب ظالمًا، ولا تعرف إنسانية، وليس في مبادئها رحمة تعمر قلوب مواطنيها، والمصالح لديها مادية محضة، حتى لو تعارضت مع القيم والمبادئ الأخلاقية، فلا أظن أنّ هذه الديمقراطية ستنجح، ولن يكتب لها الاستمرار بهذا التوجه السلبي.

والديمقراطية الناجحة تشجع الفنّ الهادف المحترم، الساعي إلى إيصال أفكار الخير والصلاح والنفع والنماء إضافة إلى الترفيه الجيد إلى قلب كل مواطن، وتحارب كل مظاهر الفنّ المتحيز المرتزق الذي تحوله الأموال والشهرة والحماية إلى فن فارغ وممجوج، وخاصة ذلك الفنّ الذي يستخدمه الكثير من الطغاة سلاحًا، يضرب به كيف يشاء، وسُمًا زعافًا يدسه في عقول متحيرة خائفة خانعة.

وبناء على ذلك: فإنّ قرار إدارة إسطنبول في استقبال المطرب الشبّيح "وفيق حبيب" ذلك الشخص الذي يحمل في داخله كل معالم الكراهية والحقد للشعب السوري الذي ينتمي إليه (مع الأسف)، ذلك الشخص الذي دعم نظام المجرم بشار الأسد وأفكاره الطائفية بكل ما يملك، وهو شخص سيء السمعة لدى أغلب السوريين، فقرار منحه الإذن بإقامة حفل غنائي على أرض إسطنبول الحبيبة قرار غير صائب، وبعيد عن الديمقراطية التي تحمل في طياتها المعاني الإنسانية الشريفة، ومعاني مراعاة مشاعر الآخرين، ومعاني الذود عن المظلومين، والوقوف في وجه الظلمة وأذرعها الأخطبوطية.

فمئات الآلاف من السوريين الذين يعيشون في تركيا لهم أقارب قُتلوا وعُذّبوا وشُرّدوا، ودُمرت بلادهم، وسُرقت أموالهم، ونُهبت بيوتهم، بأصوات فنيّة تُمجد القاتل وتشجعه على غيّه وبطشه. 

لذلك أوجّه رسالة باسم كل سوري مكلوم ومهموم، وباسم كل طريد وشريد وشهيد، تحمل معاني النصح والحب والوفاء، إلى المسؤولين الأتراك الكرام عمومًا، وإلى إدارة إسطنبول بشكل خاص: إنّ السماح للمدعو "وفيق حبيب" شبيح المجرم الأسد بإقامة حفل في إسطنبول أمر مفتعل ومقصود يُشمّ من خلاله رائحة مكيدة كبيرة، في مسلسل المكائد لتركيا وأهلها، لتأجيج الفتن أكثر في البلاد، بين الأتراك والسوريين، وبين السوريين مع بعضهم مؤيدين ومعارضين، وبين الأتراك مع بعضهم مؤيدين ومعارضين، وهذا ما يجعل أعدائنا تقوى وتكثر بأداة أبنائنا.

فنرجو من أصحاب القرار التركي، منع وقوع هذه الفتنة العظيمة، فالأوضاع في تركيا لا تتحمل المزيد من التصعيد والفتن بين أبنائها.

وليعلم جميع الاخوة الأتراك، أنّ هناك مئات أو آلاف القوى المعادية، داخل تركيا وخارجها، تريد ضرب وحدتها، وتمزيق صفوفها، وإضعاف قوتها، بشتى الطرق والوسائل، ومن هذه الوسائل زرع الفتن المختلفة داخل تركيا وبين أبنائها حاكمين ومعارضة، وبين جميع القاطنين فيها من ضيوف وسُياح ولاجئين وغيرهم. 

وما هذه الرسالة والنصيحة إلا تعبيرًا لما يكمن في قلبي وقلب كلِّ السوريين الشرفاء من حبّ لهذا البلد العظيم، وحب ووفاء لشعبي المظلوم، الذي تقتله أسلحة النظام الأسدي والروسي والإيراني، بأدوات عدة، منها سلاح الطرب والغناء الذي يُسوّقه أشخاص مجرمون، كوفيق حبيب وغيره من جنود الظلمة بأقنعة كيدية وأهداف ماكرة.   

عن الكاتب

فراس السقال

باحث في العلوم العربية والإسلامية واستاذ جامعي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس