إسماعيل ياشا - أخبار تركيا

رئيس حزب الشعب الجمهوري “كمال كلتشدار أوغلو” زعم في برنامج تلفزيوني شارك فيه قبل أيام أن الحكومة التركية تسعى لحظر حزب الشعب الجمهوري، وأن جهاز الاستخبارات هو الذي يقوم بمهمة الاستعداد لهذه الخطوة. وقال إن فريقا في صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم يدير هذه الخطة دون علم رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو.

في الحقيقة، هذه المزاعم مصدرها الأول حساب “فؤاد عوني” في موقع التواصل الاجتماعي الشهير “تويتر” وهو اسم مستعار وحساب يعتقد أنه تابع للكيان الموازي ويديره عدد من رجال جماعة كولن. وقد كتب “فؤاد عوني”، الذي يصف رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان بــ”يزيد” في إشارة إلى يزيد بن معاوية، أن “فخري قاصرقا”، السكرتير العام لرئاسة الجمهورية، هو الذي يدير هذه العملية، زاعما أن أردوغان أعطى أوامره لـ”قاصرقا” للعمل من أجل حظر حزب الحركة القومية أيضا بعد حظر حزب الشعب الجمهوري.

لم يكن كلتشدار أوغلو وحده في استغلال ما كتبه هذا الحساب المشبوه، بل القيادي في حزب الحركة القومية، “أوكتاي فورال”، هو الآخر زعم أن هناك استعدادات لحظر حزب الحركة القومية، يقوم بها أطراف انزعجت من المواقف القومية التي يتبناها حزبه والنضال الديمقراطي الذي يخوضه، وفقا لتعبيره.

وبعد هذه التصريحات، شدَّد المسؤولون الأتراك على رفضهم القاطع لحظر الأحزاب السياسية. وقال رئيس البرلمان التركي “جميل تشيتشك” في رده على سؤال أحد الصحفيين إنه لا يمكن أن يعلق على مجرد مزاعم إلا أنه أكد أن زمن حظر الأحزاب في تركيا قد ولَّى بلا رجعة، وأنه لا يرى حظر الأحزاب أمرا صائبا. كما وصف “بولنت أرينتش”، الناطق باسم الحكومة التركية، هذه الممزاعم بـ”السخيفة”.

الحكومة التركية أرادت أن تجعل حظر الأحزاب السياسية أكثر صعوبة في إطار الإصلاحات الديمقراطية ولكن حزب الشعب الجمهوري صوَّت في مايو 2010 ضد التعديل الدستوري الذي يجعل حظر الأحزاب شبه مستحيل. وسجلت وسائل الإعلام فرحهم برفض البرلمان التركي ذاك التعديل المذكور. وفي تعليقه على مزاعم كلتشدار أوغلو لفت رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إلى موقف حزب الشعب الجمهوري السلبي آنذاك من التعديلات الدستورية، ثم تحدى قادة الحزب ودعاهم إلى إجراء تعديل في الدستور لجعل حظر الأحزاب السياسية أكثر صعوبة.

حزب الشعب الجمهوري يملك 28.09 بالمائة من مجموع أسهم “بنك إش” ويديرها، وهذه الأسهم ورثها الحزب من مؤسس الجمهورية والبنك مصطفى كمال أتاتورك بناء على وصيته، وهناك قضية رفعها ابنا “أولكو آداتيبه”، ابنة أتاتورك بالتبني، يطالبان حزب الشعب الجمهوري و”بنك إش” بدفع مليون ليرة تركية بحجة وقوع ظلم في توزيع تركة أتاتورك. ويؤكد محامي الشقيقين إعداد كتاب لتسليط الضوء على هذه القضية إلا أنه نفى صحة من يتردد حول احتواء الكتاب المذكور الذي سيكون في متناول القراء قبيل الانتخابات وثائق ومعلومات قد تؤدي إلى حظر حزب الشعب الجمهوري.

لماذا أثار حزب الشعب الجمهوري هذه المزاعم في هذا التوقيت؟ كثير من المحللين يرون أن حزب الشعب الجمهوري في مأزق شديد بسبب تحالفه مع جماعة كولن، وفشل هذا التحالف في الانتخابات المحلية وكذلك في الانتخابات الرئاسية، وانزعاج بعض أقطاب الحزب من الانجرار وراء الجماعة، بالإضافة إلى ارتفاع شعبية حزب الشعوب الديمقراطي على حساب شعبية حزب الشعب الجمهوري. وبالتالي يسعى الحزب لإثارة مثل هذه القضايا حتى يتسنى له اللعب بورقة المظلومية التي يأمل الحزب أن تخرجه من مأزقه أو على الأقل يتستر وراءها للتغطية على فشله. لأنه ليس هناك سبب يمكن أن يدفع حزب العدالة والتنمية إلى السعي لحظر حزب فاشل كحزب الشعب الجمهوري الذي لا يمكن أن ينافسه ولا يشكل عليه أي خطر. وهناك من يقول إن حزب الشعب الجمهوري خائف من أن يصدر القرار في القضية التي رفعها ابنا “أولكو آداتيبه” لصالح الشقيقين، ولذلك يحاول أن يضغط على القضاء.

المدعي العام لمحكمة التمييز “عبد الرحمن يالتشين كايا” حين رفع قضية في مارس / آذار 2008 لدى المحكمة الدستورية بطلب حظر حزب العدالة والتنمية كان رد فعل حزب الشعب الجمهوري وقادته لم يكن منحازا للديمقراطية ولم يكن رافضا للقضية واحتمال حظر أكبر حزب سياسي في تركيا، بل كانوا يدعون إلى “احترام القضاء” وانتظار قراره. وأما اليوم فيبدو أنهم نسوا ضرورة “احترام القضاء” ولا يدعون إلى انتظار نتيجة القضية.

بينما أكتب هذه الأسطر سمعت خبرا يقول إن الحكومة التركية تعِدُّ تعديلا دستوريا لجعل حظر الأحزاب أكثر صعوبة وستقدمه إلى البرلمان. وإن صح ذلك فإننا سنرى حين ذلك موقف حزب الشعب الجمهوري ومدى صدقه في رفض حظر الأحزاب من قبل المحكمة الدستورية.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس