محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

على بحر العرب وخليج عدن من الجنوب والبحر الأحمر من الغرب وبمسافة ألفين وخمسمائة كيلومتر تحضن أمواج البحر بجهتيها الجنوبية والشرقية تراب اليمن الطيبة.

موقع اليمن البحري إضافة إلى وقوعه على جبهتين مائيتين يتميز بإطلالته على أهم المضائق المائية الاستراتيجية في العالم تحكمًا وأهمية  فتعتبر كعنق الزجاجة التي يسهل التحكم في حركة المرور من خلالها، والأهمية الأخرى تكمن  بمرور أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا، وإحدى وعشرين ألف سفينة سنويا والتي تبلغ نسبة عشرة بالمئة من الشحنات التجارية العالمية عبر مضيق باب المندب الذي يتوسط قارتي آسيا بطرفها الجنوبي الغربي وأفريقيا الجنوبية الشرقية. هذه الخصائص هي التي جعلت باب المندب يحتل المرتبة الثالثة عالميًا بعد مضيق هرمز، ومضيق ملقا من حيث كمية النفط التي تعبره يوميًا.

ورغم كل تلك الهبات الربانية لليمن إلا أن الحكومات المتعاقبة كانت تفتقر للتخطيط الاستراتيجي في استغلال تلك الاهمية الجغرافية  بصورة علمية مدروسة وكذلك الاستفادة من الموارد البحرية كالثروة السمكية على نطاق تجاري واسع بسبب عدم بناء أسطول صيد بحري، إضافة إلى الافتقار للتخطيط الاستراتيجي لاستغلال تباين التضاريس الجغرافية في اليمن كالسهول والجبال الذي يؤدي إلى تنوع المحاصيل والنباتات التي تنمو في مناطقه.

مما يعني بصورة شاملة أن كل الانظمة المتعاقبة التي توالت على حكم اليمن افتقرت أو تعمدت أو منعت عنوة - إذا جزمنا بوجود مؤامرة عليها منذ البداية - تكوين فكرة استراتيجية شاملة حول تطوير اليمن اقتصاديًا سواء في الميدان الزراعي أو الصناعي أو الصيد البحري، وبذا وطدت وزادت الأطماع الخارجية لها في ظل افتقار البلد للكفاءات القيادية التي تحصن الدولة وتمنع تكوين منافذ وفجوات تمر من خلالها أجندات الدول الأخرى وبالأخص تلك التي لها مآرب استغلالية  في أرض مأرب.

إذن المشكلة اليمنية تكمن في وجود أجندات خارجية وإقليمية تغذيها لأن الأهمية الستراتيجية لموقعها الجغرافي تزيد بصورة طردية التدخلات الخارجية كلما زاد حجم المنافسة حولها وخصوصًا في حال وجود تهديدات حقيقية لطريق مرور قوافل الطاقة.

وبالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية أورسام في أنقرة عقد مركز اليمن الجديد الذي يقع مقره في مدينة إسطنبول ندوة في إحدى قاعات أورسام عن (دور القوى الإقليمية في مستقبل اليمن)، استهلت بتقديم موجز من الدكتور أحمد أو يصال مدير مركز أورسام للوضع اليمني  بصورة عامة والتدخلات الخارجية الإقليمية والدولية وكذلك الأوضاع الإنسانية الصعبة لليمنيين، حيث أكد أن صراع مراكز القوى على اليمن قد حولته إلى ساحة معركة حقيقية عنيفة، بعدها تحدث الأستاذ صالح الجابري مدير مركز اليمن الجديد عن ظروف اليمن السياسية والاقتصادية العسكرية والاجتماعية، حيث أشار إلى أن الحوثيين يسيطرون على عشرين بالمائة فقط من مساحة اليمن وأن الثمانين بالمائة الباقية التي تتولى الشرعية اليمنية السيطرة عليها تسيطر الإمارات على ستين بالمائة منها حيث اختارت المنطقة الجنوبية حيث توجد الموانئ.

وبهذا فإن اليمنين كما عبر الأستاذ صالح عالقون بين الحوثيين المدعومين من إيران والتحالف المدعوم من الإمارات العربية المتحدة والتي انقلبت على الشرعية واستغلت ضعفها وسيطرت على مركز دينمو الحياة في اليمن، كما نوه إلى أن أساس المشكلة هو الانقلاب على الشرعية في اليمن حيث بدأت الاضطرابات وبدأت معها المأساة الانسانية.

وقد أسهب الباحث التركي سليم أوزتورك متحدثًا عن الوضع الأمني في اليمن والظروف الصعبة التي يعيشها السكان جراء سيطرة ميليشيات الحوثي وكذلك استغلال القوى الأخرى للسكان اليمنيين الذين يعانون من قلة الموارد المالية أو انعدامها.

وتحدث أيضا الباحث الصحفي جوناثان فنتون من المملكة المتحدة عن مجمل التدخلات الإيرانية ومؤازرتها ودعمها لمليشيات الحوثي الخارجة عن القانون والتي تخلق الفوضى وعدم الاستقرار والقتل والتنكيل، مؤكدًا أن التدخلات الاستفزازية التي بذلتها بعض الدول مع إيران في اليمن قد زعزعت استقرار البلاد.

كما أكد الأستاذ صالح هو أن الحل العسكري في اليمن هو الخيار الوحيد للتخلص من الحوثيين وكافة الأطراف الخارجة عن القانون.

هذه النقطة يجب الوقوف عندها ومناقشتها لأن التحالف العربي قد بدأ كبيرًا وضم تسعة دول خليجية وعربية عند تأسيسها هي السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر ومصر والأردن والسودان والمغرب، لكن مع استمرار القتال وعدم وجود ضوء في نهاية النفق اليمني المظلم مع استحالة وجود إمكانية لتطوير الحل العسكري وإجبار الحوثيين على الإذعان للشرعية، بدأت هذه الدول بمغادرة التحالف وآخرها كان المغرب والذي سبقه السودان بعد الخسائر الكثيرة في صفوف جنوده.

وبدلًا من زيادة الضغط على إيران وتنظيم جبهة ضدها في سبيل إيقاف دعمها للحوثيين، سارعت الإمارات وهي الدولة الرئيسية في التحالف ضد الحوثيين وضد إيران الداعمة للحوثيين حسب زعمها العلني إلى تطوير علاقاتها مع إيران مستغلة تأثير الأخيرة على الساحة لتضع الجنوب اليمني والموانئ تحت وصايتها حيث انتدبت نفسها.

وبهذا فإن الدولة الوحيدة التي تقف مع الشرعية هي السعودية التي نالتها طعنة في الظهر تركت اليمن تلاقي مصيرها المجهول ربما لوحدها فيما لو حافظت على وحدتها ولم تتقسم على نفسها لا سمح الله.

وعليه فإن الحل العسكري الذي دعا إليه الأستاذ صالح ربما لا يجدي نفعًا لأن إطالة أمد الصراع والنزاع سيكون تأثيرها كارثيًا ولن تكون هناك استفادة من عامل الوقت المضاف لأن المشكلة الداخلية إن أصابت جزءًا تعني إصابة الكل لأن اليمن جسد واحد.

كمثال على وجود حلول أخرى وربما اتفاقات تمنع من تطوير المأساة الإنسانية في اليمن إلى جحيم، نتذكر مأساة العراق في حربه في شمال العراق حيث إيران والأمريكان قد ساندوا وبكل قوة التمرد الذي كان يقوده الملا مصطفى البرزاني بالسلاح والمال ولفترة طويلة وبمعارك ضارية في أعوام 74 و75 فقد أوشكت الذخيرة على النفاذ في مستودعات الجيش العراقي، وكاد الأمر يتطور وتهدد كيان الدولة بصورة فعلية نتيجة شدة وضراوة المواجهات، لكن جهات دولية وعربية فهمت حقيقة الصراع ولقطع الطريق أمام المزيد من التدهور والضعف جراء التدخل الخارجي تم الاتفاق في حينها بين شاه إيران ونائب الرئيس العراقي عام 75 سميت باتفاقية الجزائر - حيث رفع الدعم الإيراني عن المتمردين وانتهت مشكلة التمرد فورًا حتى قبل رجوع الوفدين إلى دولتيهما.

إن اليمن بحاجة إلى اتفاقية دولية تنهي الصراع وتنهي تمرد الحوثيين لأن المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون والتي تبلغ 20% هي مصيدة حقيقية مدروسة لأنها تمنع بصورة مطلقة من تحقيق مركزية الدولة المتمثلة بتواجد الحكومة بالعاصمة صنعاء، كما أن تلك النسبة كبيرة لدولة تسعى للاستقرار وترتيب بيتها وإعادة الإعمار للبنى التحتية.

إن الحل العسكري هو الحل الناجع في حال دفع الضرر الخارجي عن البلد لمنع وصول تأثير تلك الأضرار لحدود البلد بشرط وجود ضوء في نهاية النفق عند القيام بحركة عسكرية، أي بمعنى أن الطرف المحارب يحاول جاهدًا عدم الدخول في مستنقع يستحيل الخروج منه كما هو الحال في اليمن.

إن مجلس الأمن قد لخص الأعوام السابقة كافة خروقات الحوثيين ومنها القرار الصادر برقم 2216 الصادر عام 2015 ويعترف القرار بعدم جديتهم في إنهاء الأزمة.

وفي المادة الخامسة من القرار دعا كل الأطراف اليمنية ولا سيما الحوثيين إلى الالتزام بمبادرة مجلس التعاون الخليجي، والحوثيون يأتمرون بأوامر طهران، مما يعني مشاركة طهران في إنهاء الأزمة اليمنية من خلال الالتزام بمبادرة مجلس التعاون الخليجي.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس