د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

قبل شهر تقريبا كانت مقاتلات حفتر وداعميه هي التي تلقي المناشير فوق العاصمة الليبية طرابلس داعية المقاتلين للاستسلام. قوات حكومة الوفاق هي التي تلقي المناشير فوق مدينة ترهونة بعد تحرير غالبية مناطق الغرب الليبي وقاعدة الوطية "نناشدكم الابتعاد عن أماكن تواجد المسلحين.. وأن تلزموا بيوتكم".

الإعلام المحسوب على حفتر عربيا وخليجيا والذي كان يردد قبل أسابيع أن "أردوغان يبحث عن هزيمة جديدة في ليبيا بعد أن حشد المرتزقة من كل مكان للسطو على النفط الليبي"، يكتفي الآن برصد الضربات وإعداد خطط الانسحابات من مناطق كان يحاصرها منذ عام وفشل في دخولها بالقوة العسكرية. شعار الأمس المرفوع كان "الأصابعة لن تسقط" شعار اليوم "ترهونة ستوقفكم".

حفتر ومن يشاركه التخطيط كانوا يتطلعون إلى رفض أي دور تركي في ليبيا. اليوم هم يبحثون سبل ضرب التقارب والتنسيق التركي الروسي المنفتح على واشنطن هناك.

ما الذي أنجزه حفتر حتى الآن وبعدما قرر نسف اتفاقية الصخيرات وتنصيب نفسه زعيما أوحدا في ليبيا:

فتَحَ الطريق أمام توحد المجتمع الدولي ضده. دفع الحياديين مثل تونس والجزائر إلى مراجعة مواقفهم.

قدّمَ خدمة سياسية كبيرة لمنافسه عقيلة صالح عبر هذا الكم الهائل من الأخطاء التي أوقعه فيها الشركاء والحلفاء وفتح الطريق على وسعها أمام مناقشة مواد مبادرته التي حظيت بالترحيب الضمني من قبل خصومه السياسيين في ليبيا حتى.

خطّط لإقناع مصر بفتح الحوار والتنسيق مع طهران لمحاصرة النفوذ التركي مما أغضب واشنطن والغرب وبعض العواصم العربية. إعلان القاهرة الأخير إنها تدعمه لكنها لن تقطع علاقاتها بحكومة الوفاق من أجله قد تكون رسالة تحول جديد في المواقف المصرية.

قرّب أكثر فأكثر بين مصالح تركيا وأميركا وروسيا في ليبيا واحتمالات التعاون الثلاثي هناك. السفير الأميركي مهد لذلك من خلال دعوته لاحترام الاتفاقيات والعقود الموقعة حول ليبيا والتراجع عن خطة الدخول العسكري إلى طرابلس.

أغضب المبعوث الأممي إلى ليبيا غير بيدرسون لدرجة أن يدفعه لتحذير الأسد من استمرار إرسال المقاتلين لتأجيج الصراع هناك.

اندفع وراء حلم الاستنجاد بقمة استثنائية عربية تعلن تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك في الحرب على تركيا، فوجد نفسه يعطي الأوامر لاستهداف شارع المقرات الدبلوماسية في رسالة مشتركة لتركيا وإيطاليا التي بدأت تعدل من مواقفها.

سقط في مصيدة "الفخ الخماسي" الذي أغضب الأوروبيين واللاعبين الكبار ودول الجوار العربي التي ترفض سياسة التموضع الفرنسي الجديد في شمال أفريقيا وشرق المتوسط. وحيث بدأ التصعيد التركي والليبي ضد عملية "ايريني" البحرية الأوروبية التي تنفذ بقرار أحادي وتخرق القرارات والتفاهمات الدولية والأممية. باريس هي التي قد تفتح الأبواب أمام احتمال التقارب التركي الإسرائيلي مجددا في شرق المتوسط بعد اتفاقية ترسيم الحدود المائية بين أنقرة وطرابلس وإعادة رسم الخرائط والتحاصص المائي الذي يزيد من حصة كل دول الجوار المائي في شرق المتوسط باستثناء اليونان.

خطأ آخر لحفتر هو استهداف المنطقة المجاورة لمقر البعثتين التركية والإيطالية في طرابلس مما دفع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للتنديد بهذا العمل وقاد تركيا التي تنسق مع الحكومة الشرعية المعترف بها لتحذيره من أنها ستعتبر مجموعاته أهدافا مشروعة إذا ما فكرت بمهاجمة مصالحها وبعثاتها الدبلوماسية.

المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري يقول إن طرابلس "سترجع إلى حضن الوطن قريبا جدا"، ووعد الليبيين بـ "مفاجآت سارة. أي نوع من المفاجآت قد تكون؟ دخول مصري إماراتي فرنسي يوناني قبرصي يوناني عسكري مباشر إلى ساحات القتال بجانب قوات حفتر، طالما أن العواصم العربية لم تقدم له ما يريد لتأمين عقد جلسة استثنائية لجامعة الدول العربية بهدف إعلان الحرب على تركيا في إطار تفعيل بنود اتفاقية الأمن القومي العربي التي كانت غائبة في العراق وسوريا واليمن والسودان ولبنان؟ أم أسلحة نووية تقدمها باريس لحفتر لتدمير العاصمة الليبية؟ أو انقلاب عسكري في طرابلس تموله وتدعمه بعض العواصم الإقليمية بتخطيط وإشراف النائب المصري مصطفى بكري رجل حفتر في القاهرة الذي كان يردد أن السراج استقل الطائرة وفر إلى مكان مجهول ليعود اليوم ويقول إن كل من يترك حفتر في هذه الأيام الصعبة خائن وعميل ومتواطئ؟

من الواجب أن يفكر المشير حفتر جديا بأخذ المتحدث باسمه أحمد المسماري معه فهو الذي خيب آمال كثيرين عندما ردد قبل أيام أن الخيار العسكري لا مفر منه وأن الاستعدادات كاملة لحسم الوضع في غرب ليبيا حيث تسجل الملاحم في قاعدة الوطية ثم يعود ويتحدث عن "التراجع التكتيكي" في قاعدة لا قيمة عسكرية لها ووجد نفسه يبحث عن مخرج عبر التطاول على الشعب التركي.

الدور التركي في ليبيا أبعد من تدريب وتقديم خدمات استشارية يتحدث عنها البعض في أنقرة: أسطول بحري تركي أمام السواحل الليبية وأسطول جوي من الطائرات المسيرة وجسر مفتوح في نقل الإمداد اللوجستي ورئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون يقول: إن اللواء المتقاعد خليفة حفتر يخسر قوته بفضل الدعم التركي للحكومة الليبية داعيا للوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية من أجل تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا. أول المستجيبين للنداء كان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ الذي اعتبر أن "حكومة فايز السراج هي الحكومة الشرعية، ولا يتعامل الناتو مع غيرها".

خسائر حفتر، قلبت حسابات البلدان الداعمة له رأسًا على عقب، وأفسدت نفسيات ومعنويات المرتزقة التي تقاتل إلى جانبه. وللخروج من الورطة أعطى الأوامر لتقليد "داعش" في خطط الانسحاب والتراجع: " تكتيك " زرع الالغام والعبوات الناسفة داخل الأماكن السكنية قبل الانسحاب التكتيكي.

هزائم غرب ليبيا هي نتيجة فرصة أهدرها حفتر وداعموه لمراجعة سياساتهم وخططهم، وهناك من سيستفيد منها في الداخل والخارج. التفاهمات الإقليمية والدولية تتقدم نحو فتح الطريق أمام مدنيين يفهمون بالسياسة والدبلوماسية لا يسقطون اتفاقية الصخيرات على مزاجهم وينصبون أنفسهم حكاما فوق المصفحات التي يقدمها الحلفاء. فرصة حفتر المتبقية هي الانسحاب وترك الليبيين في شرق البلاد يتفقون على شخصية تساهم في قيادة المرحلة نحو التوافقات الوطنية الكبرى.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس