ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

"يوم بعد آخر أسمع صرخات الضحايا الحزينة تعبيرا عما حصل لهم في أقبية سجون المخابرات السورية، لم يكن هناك أحد للإدلاء بشهادته، لقد طلب مني هؤلاء الموتى أن أكون شاهدا على ما تعرضوا له من تعذيب"
                                                                                المصور العسكري قيصر 

في ديباجة مشروع القانون المقدم للكونجرس للدورة رقم 114 في  يوليو 2016 صدرت جملة (قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لوقف قتل الشعب السوري بالجملة، وتشجيع التوصل لتسوية سلمية عبر التفاوض، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان السوري على جرائمهم).

وهذه بعض نصوصه لنقف على مدى تحقيق القانون الهدف منه، وهل سيوقف بالفعل آلة القتل السورية الإيرانية الروسية من استكمال مشروع الدم الذي بدأ منذ 2011 وحتى اليوم، أو على الأقل يوقف قتل المدنيين. 

ينص القانون على فرض عقوبات على البنك المركزي السوري إذا ما تبين ضلوعه في غسل أموال، وفرض عقوبات على شخصيات أجنبية متورطة في تعاملات مالية مع النظام ويشمل ذلك أي مقاول عسكري أو مرتزقة أو قوة شبه عسكرية تعمل ضمن قوات النظام أو معها، أو روسيا أو إيران، ويدخل في ذلك إقامة المشروعات والخدمات للنظام، ومن ثم يعاقب من ثبت عليه التعامل مع النظام بتجميد ممتلكاته في الولايات المتحدة الأمريكية والفوائد التي تخرج منها، ويمنع المتورط في التعامل مع نظام الأسد من دخول الولايات المتحدة، وفيما يخص مساعدة الشعب السوري في القانون فقد نص على أن العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية للشعب السوري لا ينطبق عليهم ما سبق من إجراءات، ذلك لأنهم لا يتعاملون مع النظام، ومن ثم فإن أمولهم لن تصادر وسيكون لهم الحق في دخول الولايات المتحدة، ويسري ذلك على السوريين أو حتى الأجانب وبالتالي لن يصنفها القانون منظمة إرهابية!  

ومع كل فإنه يحق للرئيس الأمريكي تعليق العقوبات بشكل كلي أو جزئي في حال عدم استخدام النظام والروس المجال الجوي السوري لاستهداف المدنيين وعدد القانون أشكال الاستهداف، ولم يذكر القانون حالة الاستهداف برا أو بحرا! كما نص القانون على فك العزلة عن المناطق المحاصرة والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، وإذا قام النظام بتحرير كل السجناء السياسيين في سجونه، والسماح للمنظمات الحقوقية بالوصول لتلك السجون، وهذه العبارة تفتقر إلى الموضوعية، إذ لا تعرف الأعداد الحقيقية للمعتقلين، وهل النظام يصنفهم سياسيين، وأين المعتقلات التي سيسمح للمنظمات الحقوقية الوصول إليها، بعد أن أصبحت كل سوريا معتقلات، ونص القانون أيضا على أن يعلق الرئيس الأمريكي العقوبات إذا سمح النظام بعودة المهجرين إلى مدنهم، وكأن الإدارة الأمريكية لم تعلم بما حدث للمناطق المستعادة من النظام أو لمن عاد من المهجرين!

ونص القانون أيضا على أن يعلق العقوبات عن النظام، إذا بدأ في محاسبة مرتكبي جرائم الحرب خلال السنوات الماضية، ما يعني أن الرئيس الأمريكي سيعلق العقوبات إذا ما حاسب بشار نفسه وبيته وقادته، ولو فرضنا أن فعلها بشار، ستظل معضلة القضاء الشامخ الذي سيحاسبه بتجرد غير آبه بأفرع المخابرات وتعذيبها.

استغرقنا القانون وأكل المساحة المخصصة للمقال دون أن نعلق على ما جاء فيه، لاسيما بعد أن هللت المعارضة له لتصوره على أنه منقذ الشعب السوري من براثن آلة القتل الروسية الإيرانية، وأن الضحايا قد استوفوا حقهم وأن الديمقراطية قد حلت والثورة قد انتصرت، وأنهم حققوا للشعب السوري ما لم يحققه المفاوض ولا البندقية في تسع سنين، على الرغم من أن العمل على القانون كان جهدا فرديا من مجموعة من المخلصين سياسيين ثم حقوقيين وخلفهم رجال أعمال مولوا وأنفقوا حتى وصلوا  لاستخراج ذلك القانون، وقد ساندتهم في هذا الظروف الدولية والإقليمية والداخلية في الولايات المتحدة، دون تفصيل.

فالقانون يعد انتصارا معنويا أكثر منه ماديا، فالخسائر التي سيتكبدها النظام، لم تكن لتصب في مصلحة الشعب بالأساس، كما أن القانون يستهدف إيران وروسيا في الحقيقة، أمريكا لا تعمل للشعوب، وإلا ما دعمت الانفصاليين الأكراد على حساب الثوار، المعركة في الحقيقة بين أمريكا وخصميها روسيا وإيران، تصفي حساباتها من مدخل القضية السورية، وتعيد نفسها إلى المشهد السوري بعد أن همشت نفسها في عهد أوباما وتخبطت في عهد ترامب مرحليا، إذن فقيصر لن يعود ليحرر سوريا، والحديث عن الأسد شأن آخر وإضعاف الخصم لا يعني الإجهاز عليه، فالساحة السورية أرض خصبة لتسوية الملفات، إنهاك إيران وإرهاق روسيا، وإن كانت حصلت مكاسب كبيرة وأخذت قواعد متقدمة طويلة الأجل على المياه الدافئة، والتخلص من الإسلاميين، وتأمين الاحتلال الإسرائيلي بإضعاف سوريا، وإخضاع الشعب السوري ليكون طيع في مرحلة ما بعد الأزمة.

الفرصة لا تزال متاحة ليكون للثورة كرسي حقيقي في مفاوضات ما بعد الأزمة، كل ما يجب فعله استرداد القرار من يد الأطراف الفاعلة من خلال عمل حقيقي، وألا ترض المعارضة بما يلقى إليها من فتات، فالشعب السوري يستحق الكثير، من أهداف القانون المعلنة: إخضاع النظام للجلوس للتفاوض وكتابة الدستور، الشعب ينتظر ثمار تكافئ كم التضحيات، وعلى من لا يستطيع أن يجني هذه الثمار فعليه أن يرحل ولا يخدر الناس بقانون لن ينفعهم فعليا.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس