ترك برس-الأناضول

تعقد الدول الأوروبية قمتها افتراضيا بسبب جائحة كورونا في 25-26 مارس/ آذار الجاري بمشاركة رؤساء حكوماتها.

وهناك عدة ملفات على أجندة القمة أبرزها مواجهة الجائحة ومفاوضات توزيع اللقاح المضاد للفيروس في عموم دول الاتحاد، ومسألة فرض قيود على السفر واتخاذ تدابير مشتركة في منطقة "شينغن".

كما ينتظر القمة ملف التحول الرقمي بالاتحاد والمشاكل الاقتصادية وتعزيز قوة اليورو بالأسواق المالية العالمية، وكذلك تعزيز التعاون مع حلف الناتو، والتدابير التي سيتم اتخاذها ضد روسيا، وكذلك ملف الخلافات في شرقي المتوسط.

وكان تواصل قادة الاتحاد الأوروبي مع تركيا للبحث عن سبل جديدة للتعاون في مسألة اللاجئين بمثابة رسالة إيجابية قبيل القمة.

ويفسر مراقبون سياسيون الحوار بين الاتحاد الأوروبي وتركيا أنه بدأ يبحث عن سبل تطبيع العلاقات مع أنقرة لدرجة أن انسحابها من اتفاقية مجلس الاتحاد المعنية بوقف العنف ضد المرأة والعنف الأسري ومكافحتهما المعروفة باتفاقية إسطنبول، وكذلك رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية لحظر حزب "الشعوب الديمقراطي" لارتباطه بالإرهاب لن يتسبب في تراجع العلاقات عن المستويات الحالية.

** مفهوم "تطبيع" العلاقات

ثمة اختلاف في مفهوم تطبيع العلاقات لدى كل من تركيا والاتحاد الأوروبي.

فمن المعروف أن تركيا لا تزال عازمة على مواصلة السعي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي رغم مرور سنوات طويلة ورغم المشاكل الدولية التي تشكل عائقاً أمامها لتحقيق رغبتها وهو ما يعبر عنه دائماً مسؤولوها وممثلوها في المحافل المختلفة.

من جهة أخرى لا يوجد أي اختلاف في الموقف الرسمي الأوروبي بخصوص تأييد انضمام تركيا للاتحاد، وأصبحت الحقيقة الواضحة خلال الفترة الأخيرة هي أن مفاوضات الانضمام مستمرة من الناحية القانونية إلا أنها متوقفة فعلياً.

من المنتظر أن تكتسب مرحلة تطبيع العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوربي زخماً عقب القمة الأوروبية، ولكن هل سيؤدي ذلك إلى فتح فصول جديدة في مفاوضات عضوية تركيا التامة قي الاتحاد وماذا يفكر الجانب الأوروبي بخصوص مستقبل العلاقات مع أنقرة.

** عوائق العلاقات

لا تزال قضية قبرص العائق الأهم الذي يؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على علاقات الطرفين، إلا أن تعزيز التعاون الإيجابي بينهما بخصوص العضوية الكاملة لتركيا بالاتحاد الأوروبي من شأنه أن يساعد على إزالة الخلاف في القضايا الصعبة.

وتتعقد القضية في نقطة أبعد من ذلك إذ أن الجانب الأوروبي لم يتوصل إلى توافق عام حتى الآن بخصوص العضوية التامة لتركيا في الاتحاد الأوروبي.

لذلك يُفهم أن ما يقصده الاتحاد الأوروبي من "تطبيع العلاقات" مع تركيا هو المحافظة على الوضع الفعلي للعلاقات بين الجانبين.

في الحقيقة هناك الكثير من ملفات الخلاف حالياً بين تركيا والاتحاد الأوروبي أبرزها تباين وجهات النظر في موضوع تحديد مناطق الصلاحية البحرية في شرقي المتوسط وبحر إيجة.

كما أن القضية القبرصية تضم في أحد أبعادها أيضا خلافا على مناطق الصلاحية البحرية.

ومن أبرز ملفات الخلاف الأخرى بين الطرفين تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي لتتناسب مع الظروف الحالية، وتفعيل اتفاقية إعادة القبول (اتفاق الهجرة) ورفع تأشيرة دخول المواطنين الأتراك لدول الاتحاد الأوروبي ومشاكل اللاجئين، وهي ملفات تؤثر على العلاقات الثنائية.

ومن المشاكل الأخرى التي تؤثر سلبيا على سير العلاقات التركية الأوروبية العنصرية ومعاداة الأجانب والإسلام المتصاعدة في عموم أوروبا خلال الفترة الأخيرة.

** الشرق الأوسط والبحر المتوسط

دائما ما تؤدي سياسات تركيا في منطقة الشرق الأوسط والمشاكل الناجمة عن الأوضاع في سوريا والعراق والجهود التي تبذلها أنقرة في مكافحة الإرهاب وضمان وحدة أراضي الدول المجاورة، إلى صدام مع الولايات المتحدة وروسيا، ومما لا شك فيه أن هذا الوضع يؤثر أيضا على العلاقات مع أوروبا.

من ناحية أخرى فإن اكتشافات الغاز في البحر المتوسط في المنطقة الواقعة بين مصر وإسرائيل وإدارة قبرص الرومية وطريقة طرحه في الأسواق العالمية من الممكن أن يثير مشاكل جديدة.

كما أن ضغط اليونان وقبرص الرومية على الاتحاد الأوروبي من أجل إنشاء خط أنابيب الغاز "إيست-ميد" والقيام بأنشطة التنقيب في الجرف القاري التركي سبب مشكلة أخرى في العلاقات التركية الأوروبية.

** الحريات وحقوق الإنسان

ومن المشاكل الأخرى في علاقات الطرفين الانتقاد الأوروبي لأنقرة والادعاءات المستمرة بتراجع الحقوق والحريات في تركيا.

فعقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016 أعلنت تركيا فرض حالة الطوارئ كتطبيق دستوري بهدف القضاء على التهديدات.

وتم فرض بعض القيود الجزئية ببعض المجالات دون المساس بأصل الحريات، ولكن يجب عدم إغفال حرية تشكيل الأحزاب السياسية والتمثيل في تركيا التي لا تقل عن نظيرتها في أي دولة أوروبية.

وفي الوقت الذي شرع فيه الاتحاد الأوروبي بإغلاق حزب "باتاسونا" في إسبانيا بقرار من الحكومة لعدم اعترافه بأن منظمة "أرض الباسك والحرية" المعروفة باسم منظمة إيتا الانفصالية منظمة إرهابية، أدان رفع دعوى قضائية في تركيا لإغلاق حزب ثبتت علاقته الوثيقة بمنظمة إرهابية ورأى ذلك على أنه ابتعاد عن القيم الأوروبية.

** منظور العضوية الكاملة

من الأمور الملفتة للنظر إعلان الاتحاد الأوروبي خلال مرحلة الوباء تشكيل نظام لحماية حقوق الإنسان على المستوى العالمي واتخاذه قرارات بفرض عقوبات على منتهكي الحقوق والحريات الأساسية، إلا أنه يمكن مناقشة مدى مواءمة قيام وحدات أمن الحدود بالاتحاد الأوروبي بإغراق قوارب المهاجرين أو تركهم للغرق مع "نظام عقوبات الاتحاد الأوروبي العالمي لحقوق الإنسان".

كذلك ليس من الضروري العيش في باريس لإدراك أن التمييز العنصري الذي يتعرض له المواطن الفرنسي من أبوين مهاجرين من إفريقيا أثناء تقدمه للعمل في المؤسسات العامة يتعارض مع مبدأ "عدم التمييز".

وبالرغم من أن الحقوق والحريات الأساسية في العديد من دول الاتحاد الأوروبي لا تتوافق اليوم مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، إلا الاتحاد لازال يستخدم خطاب حقوق الإنسان ضد دول العالم.

في النهاية إذا ما أردنا تلخيص المشهد بخصوص العلاقات التركية الأوروبية قبيل القمة المرتقبة يمكننا القول إن الاتحاد الأوروبي الذي يتحرك من منظور براغماتي سيتجه في علاقاته مع تركيا في العديد من المجالات وفي مقدمتها مسألة اللاجئين إلى هدف التعاون.

وكذلك فإن الدعوات إلى الحوار والتعاون في موضوع تحديد مناطق الصلاحية البحرية ستحل محل التصريحات المهددة بفرض عقوبات.

حتى أن بعض التطورات الحالية التي حدثت قبيل القمة والتي كان من المحتمل أن تؤثر بالسلب على علاقات الطرفين مثل انسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول ورفع دعوى بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي لن تشكل عائقاً أمام تطبيع العلاقات.

** مفهوم التطبيع

ومع ذلك، فإن ما يفهمه الجانب الأوروبي من "التطبيع" ليس إلا المحافظة على الوضع القائم لمصلحته من منظور براغماتي انتهازي، فمن أجل إمكانية الحديث عن تطبيع في علاقات الطرفين يجب أن تكتسب مفاوضات العضوية الكاملة دينامية جديدة، ويجب عل الأقل فتح فصول جديدة للتفاوض.

في حين أن التطبيع في ظل الظروف الحالية يُقصد به أوروبيا عدم الدخول في صراع وتعزيز التعاون في كافة الموضوعات باستثناء العضوية الكاملة.

أما ما يجب أن تفهمه تركيا من التطبيع فلابد أن يكون إحياء مفاوضات الانضمام للاتحاد، والتركيز على هدف العضوية الكاملة.

ومن المتوقع أن يفتح البيان الختامي للقمة الأوروبية في 25-26 مارس الباب أمام عهد جديد في العلاقات التركية الأوروبية.


** مقال تحليلي بقلم الكاتب البروفيسور عرفان كايا أولغر رئيس قسم العلاقات الدولية بكلية العلوم الاقتصادية والإدارية بجامعة "قوجه إيلي" التركية

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!