ترك برس-الأناضول

المتابع للدارما التاريخية الهادفة التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة في تركيا، حتما قد شاهد مسلسل "قيامة عثمان"، الذي يتناول نشأة الدولة العثمانية وسيرة مؤسسها عثمان بن أرطغرل.

ويظهر في المسلسل إلى جانب الزعامة السياسية المتمثلة في عثمان، شخصية أخرى تمثل القيادة الروحية، حيث كان لها أثر بالغ في تأسيس الدولة، وهي شخصية الشيخ أديب علي، أو "إده بالي" كما في المصادر التركية.

ورد في روايات تاريخية أن العلاقة بين "إده بالي" وعثمان، بدأت في حياة الغازي أرطغرل، حيث كان يُجلّ الشيخ، ووكل إليه مهمة تأديب ولده، وهو ما ذكره عثمان نوري طوباش، في كتابه "العثمانيون.. رجالهم العظام ومؤسساتهم الشامخة".

كما أن المفكر الأردني زياد أبو غنيمة، أشار إلى هذه العلاقة في كتابه "جوانب مضيئة في تاريخ العثمانيين الأتراك"، قائلا: "وقد انتقلت زعامة الأتراك العثمانيين إلى عثمان إثر وفاة أبيه أرطغرل، وقام العالِم المؤمن إده بالي بتسليم عثمان سيف والده في احتفال مهيب وأطلق عليه لقب الغازي"، فهذه المراسم تدل على أن علاقة "إده بالي" بعثمان قديمة ومحورية.

ولد "إده بالي" في قرمان، واسمه الأصلي في بعض المصادر التاريخية عماد الدين مصطفى بن إبراهيم بن إناج القرشهري، درس الفقه الحنفي على يد العالم نجم الدين الزاهدي.

ثم ارتحل إلى الشام، وهناك درس على يد علمائها التفسير والأصول والحديث، ثم عاد إلى بلاده، وأقبل على الزهد والتصوف رغم أنه كان يمتلك ثورة طائلة، وأنشأ زاوية في "بلجيك"، واشتغل بإرشاد الناس.

كان من الطبيعي أن يشغل "إده بالي" منصب المستشار الديني لدى الغازي عثمان، وفي ليلة بات الأخير في زاوية الشيخ، ورأى مناما كان لتفسيره أثر عظيم في نفسه.

وهذا المنام ينسبه البعض إلى أرطغرل، لكن الصحيح الذي دلت عليه المراجع التاريخية أنه يرجع إلى عثمان، ومنها كتاب "الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية" لمؤلفه طاشكبري زادة المتوفى سنة 1561م، وأدرج المؤلف "إده بالي" في الطبقة الأولى لعلماء الدولة.

ويحكي طاشكبري زادة عن ذلك قائلا: "رأى في المنام قمرا منيرا خرج من حضن الشيخ إده بالي، ودخل في حضنه، وعند ذلك نبتت من سرّته شجرة عظيمة سدت أغصانها الآفاق، وتحتها جبال عظيمة تتفجر منها الأنهار، والناس ينتفعون من تلك الأنهار لأنفسهم ودوابهم وبساتينهم".

لما قص عثمان الرؤيا على معلمه، قام الأخير بتأويلها على أنها السلطنة يهبها الله له ولأولاده من بعده، ثم قام بتزويجه ابنته.

وتذكر بعض المراجع التاريخية أن اسم ابنة "إده بالي" التي تزوجها عثمان "مال خاتون"، لكن أحمد آق كوندز ذكر في كتابه "الدولة العثمانية المجهولة"، أنه عثر على أحد أوقاف السلطان "أورخان"، يفيد بأن اسمها كان "رابعة بالا خاتون"، وهي التي أنجبت لعثمان ولده الأمير علاء الدين، أما زوجة عثمان التي ولدت له "أورخان"، فهي بنت الوزير السلجوقي "عمر بك".

ويعد "إده بالي" القاضي الأول في الدولة العثمانية، أما الثاني فكان تلميذه طورصون الفقيه. وكان عثمان يذهب إليه ويطلب منه الدعاء، ويستفتيه في المسائل الشرعية، ويطلب منه المشورة في أمور السلطنة، فكان قائدا روحيا شُدَّ به عضد الغازي عثمان، وكان له أثر كبير في مسيرته الجهادية وتأسيس الدولة وتوسيع رقعتها.

وفي أواخر أيامه، خصص عثمان للشيخ وابنته وحفيده علاء الدين، واردات ضرائب قرية "كوز آغاج"، لكن "رابعة بالا خاتون" جعلتها وقفا للمسلمين.

توفي "إده بالي" في مدينة "بلجيك" عام 1326م، أو في الذي يليه على أقصى تقدير للمؤرخين، وذكر صاحب الشقائق النعمانية، أنه حين وفاته بلغ مئة وعشرين عاما، ولا يزال ضريحه في زاوية "الشيخ إده بالي"، موجودا في مدينة بلجيك.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!