ترك برس

تباينت آراء الخبراء والمحللين المهتمين بالشأن التركي حول النهج الجديد الذي اعتمدته أنقرة خلال العام الحالي في التعامل مع دول المنطقة التي كانت على خلاف كبير معها.

وشير تقرير لصحيفة العربي الجديد إلى أن تركيا تسير في سياستها نحو تصفير المشاكل مع دول المنطقة وتعزيز التهدئة، موجهة رسائل إيجابية إلى هذه دول، في مسعى منها لتحسين العلاقات، ومستفيدة من أجواء التصالح، لتسوق فكرة تبادل وتقاسم المصالح.

هذه السياسة أعرب عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالقول إن بلاده "على استعداد للقيام بما يلزم للحد من التوترات في المنطقة".

وأضاف أردوغان، في تصريحات للصحافيين أثناء عودته من قطر، أن أنقرة تعتبر أمن واستقرار منطقة الخليج بمثابة استقرار وأمن لتركيا، مشيراً إلى أن بلاده ترغب دائماً في أن يعم السلام وتعمل على إحلاله في المنطقة والعالم.

وعن العلاقة مع إسرائيل، قال إن "عليها أن تتعامل بحساسية أكبر مع القضية الفلسطينية، وعندما نرى الحساسية المطلوبة من إسرائيل، فإننا سنقوم بما يلزم عندئذ"، مضيفاً أنه من الممكن إمكانية إعادة تعيين السفراء بين تركيا وإسرائيل "مع مراعاة هذه الحساسيات المطلوبة".

وإزاء هذه الأجواء، تترقب الأوساط المتابعة أن يحمل العام المقبل، مزيداً من التقارب التركي مع دول في المنطقة، خصوصاً مع مصر والسعودية وإسرائيل، وفق العربي الجديد.

ورأت الصحيفة في تقريرها أن النهج الجديد الذي اعتمدته أنقرة في العام الحالي، بعد توترات في الساحة الليبية وشرق المتوسط، جاء مدفوعاً بحسابات داخلية وخارجية بالنسبة لحكومة أردوغان، خصوصاً مع الانعكاسات السلبية للصراعات على الاقتصاد التركي، ومحاولة تحسين الأوضاع الداخلية قبل الانتخابات المقبلة المقررة في عام 2023.

يضاف إلى ذلك التحولات الدولية مع تولي جو بايدن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، وظهور استراتيجيات جديدة لبلاده في العالم، والتي دفعت دولاً في المنطقة إلى انتهاج خطوات تصالحية، وأهمها المصالحة الخليجية، والحوار الذي بدأ بين إيران والسعودية، وبين تركيا ومصر (عُقدت جولتان استكشافيتان حتى اليوم)، وتركيا واليونان.

ولعل الحوار بين أنقرة والقاهرة كان الأهم لكونهما من أكبر الدول في المنطقة، لكن على الرغم من جولتي المشاورات، وتصريحات إيجابية، فإن العلاقات بين البلدين لم ترق إلى مستوى تبادل السفراء.

ولذلك تتجه الأنظار إلى العلاقات التركية مع مصر والسعودية خلال العام المقبل، مع توقع حصول تطورات فيها وتطبيع للعلاقات وتعيين للسفراء، خصوصاً مع مصر.

وكان التطور الأبرز تطبيع العلاقات التركية مع الإمارات، بعد فترة طويلة من الخلافات. وتوّج هذا التطور بزيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى تركيا في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية هامة واستثمارات إماراتية بلغت قرابة 10 مليارات دولار، وهو ما ستقابله تركيا بزيارة أردوغان إلى الإمارات على رأس وفد رفيع موسع، وفق ما أعلن، وذلك في فبراير/شباط المقبل لتوقيع مزيد من الاتفاقيات.

إلى ذلك، نقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية تركية رفيعة أن "الدبلوماسية التركية حالياً تبذل جهوداً بناء على مساعي أجهزة الاستخبارات التي أجرت حوارات مع دول معنية، خصوصاً مصر وإسرائيل".

وأضافت المصادر أنه "في حال سارت المحادثات بشكل إيجابي فمن الممكن خلال أشهر وصولاً إلى الربيع، تعيين سفراء بين تركيا ومصر، وبعدها بأشهر ربما تحمل تطورات في ما يتعلق بإسرائيل، حينما تتضح السياسات والمواقف الإسرائيلية المتعلقة بمنطقة شرق المتوسط والقرارات التي ربما تتخذ خلال الصيف في ما يتعلق بهذا الملف، وبالتالي فإن القنوات كلها مفتوحة مع كل الدول المعنية، ومنها دول الخليج".

وأكّدت المصادر أن "ثمة متطلبات داخلية تركية تدفع بهذه السياسة، منها انعكاسات الصراعات الداخلية على الاقتصاد، والنهج الجديد في إدارة البلاد بتحويل الاقتصاد إلى التصدير والإنتاج، وحاجة الرؤية التركية إلى الاستقرار في المنطقة، إضافة إلى نقطة مهمة ترتبط بالانتخابات المقبلة المقررة في العام 2023". وأضافت المصادر أن "أنقرة تسعى إلى التهدئة خارجياً، لتحسين أوضاع الاقتصاد، وهذا يمر عبر تحسين العلاقات الخارجية مع دول المنطقة خصوصاً".

وفي هذا السياق، تحدث الباحث في مركز الأبحاث والدراسات التركية "سيتا"، مراد أصلان، عن الاستراتيجيات التركية الجديدة في العام المقبل في ضوء حديث أردوغان وعلى وقع المصالحات. وفق الصحيفة.

وأوضح الباحث أن "تركيا تواجه مجموعة من المشاكل مع عدد من الأطراف في المنطقة، فهناك مشاكل في منطقة القوقاز والبلقان، وصراعات في سورية والعراق، ومشاكل ترتبط بإيران وشرق المتوسط وليبيا، وهذه المناطق كلها تتصل بأوروبا".

واعتبر أصلان أن أنقرة تعمل على التوازن إزاء هذه المشاكل عبر أولويات، والاستراتيجية هذه بدأت تطبيقها بشكل واضح عبر تناول أبرز مناطق الاشتباك وحلّ المشاكل العالقة معها.

وأشار أصلان إلى أن "تركيا تبني حالياً علاقاتها وفق المصالح على مبدأ رابح - رابح، مغيرة استراتيجيتها بناء على مبدأ المصالح في شرق المتوسط، وهو ما يتطلب علاقات جيدة مع مصر وإسرائيل".

وأشار الباحث إلى أنه "في المفاوضات الحالية غير المعلنة، تسعى تركيا إلى تجميد المطالب الصعبة وعزلها، والبناء على التوافقات والمصالح"، لافتاً إلى أن "العلاقة التركية مع مصر وإسرائيل ستكون في صالح هاتين الدولتين، اللتين تنظران بإيجابية إلى الخطوات التركية، وبالتالي تبادل تعيين السفراء قد يحصل خلال أشهر".

من جهته، توقع أستاذ العلاقات الدولية سمير صالحة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تواصل "حكومة العدالة والتنمية السياسة الخارجية الإقليمية التي بدأتها في الأشهر الأخيرة نحو الانفتاح والتطبيع وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه مع العواصم العربية والإقليمية قبل أعوام". ورأى أن "الانطلاقة مستمرة في ملفات معينة، ولكن علينا التريث والمراقبة في ملفات أخرى".

وأوضح صالحة أن "أنقرة تنتهج هذه السياسة الخارجية لأكثر من سبب داخلي وخارجي، ولكن ما يحتاج إلى مراقبة هو ما إذا كانت الأطراف الأخرى قد بدأت مراجعة سياساتها كما تفعل أنقرة". وبرأيه، فإن لدى تركيا "حماسة أكثر لذلك من بقية الدول".

وشدّد صالحة على أن "الانفتاح التركي على مصر وإسرائيل جزء من السياسة الجديدة، ومرتبط بملفات متشابكة أبعد من العلاقات الثنائية"، موضحاً أن "الملفات الإقليمية ساهمت في الأعوام الأخيرة بصب الزيت فوق نار العلاقات بين القاهرة وأنقرة وتأجيجها، ومنها ليبيا وسورية ودخول لاعبين إقليميين على خط التوتر مثل فرنسا، وبالتالي فإن العلاقة بين الطرفين بحاجة إلى وقت لتشهد خروقات".

وتساءل أستاذ العلاقات الدولية في هذا الإطار، عن سبب عدم عقد الجولة الثالثة من المباحثات (بين مصر وتركيا) بعد، وهل هناك لقاءات بعيدة عن الإعلام لا نعلم بها؟". وقال: "إن كانت موجودة، فهي نقطة إيجابية".

وبالنسبة للعلاقة التركية - الإسرائيلية، لفت صالحة إلى أن "الخلاف كان حول مسائل إقليمية خصوصاً الفلسطينية، وقد تكون إعادة السفراء عُلّقت بسبب العمليات الإسرائيلية الأخيرة على غزة قبل أشهر، ولا أظن أن هناك تراجعاً بل إن الطرفين يسعيان إلى تسريع عودة العلاقات نتيجة الملفات الميدانية".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!