محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس

الاستقبال الحافل لضيف تركيا الأمير محمد بن سلمان في القصر الرئاسي في العاصمة التركية من قبل الرئيس أردوغان شخصيا عكس انطباعًا لدى المراقبين بأن نتائج الزيارة ستكون تاريخية بعد انقطاع الزيارات من قبل المسؤولين السعوديين للعاصمة التركية منذ فترة ليست بالقصيرة.

وتتجه الأنظار الآن إلى العاصمتين التركية والسعودية لتنفيذ الاتفاقات المتميزة والمهمة والاستراتيجية التي أبرمت بين البلدين بعد هذه الزيارة والتي كانت  بدعوة رسمية من لدن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والتي ستفتح صفحة جديدة من العلاقات التي كانت فاترة لحد ما في السنوات القليلة الماضية واتخاذ خطوات سريعة نحو ترميم العلاقات في الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكافة أوجه التعاون الذي يصب في المصلحة الوطنية للدولتين بصورة خاصة ولكافة دول المنطقة وعالمنا الإسلامي بصورة عامة لأن الدولتين يمتلكان زمام المبادرة في اتخاذ هذه المبادرة المهمة والواقعية والضرورية.

ففي ظل الأوضاع  الغير الطبيعية التي تمر بها المنطقة مثله مثل الوضع الدولي جراء كارثتي كورونا، وأوكرانيا المقلقة للاستقرار الدولي، وفي أتون التصعيد الواضح وتوسيع رقعة شرارة الحرب وتأثيرها المباشر لمجمل الوضع الإنساني العالمي ولما تتركه تلك الكوارث من تأثير مباشر على إمدادات الطاقة، توجب على الجميع التكاتف في التقليل من نسبة الخسائر إلى أدنى قدر ممكن، وهذه هي إحدى أوجه أهمية الزيارة.

بالإضافة إلى ذلك فإن الوضع الإقليمي بحاجة إلى مراجعة شاملة فيما يهم تطلعات ومصلحة البلدين واستقرارهما واستقرار المنطقة، وخصوصا أن السعودية تحاول جاهدة لتأسيس تكتل مع دول الخليج ومصر والأردن وغيرها منعا (لفرض رغبات وأجندات خارجية ودولية) في محاولة لمنع انزلاق المنطقة نحو الهاوية جراء الممارسات الغير المسؤولة من جهات إقليمية.

وفي ضوء المواقف الضبابية من الحكومات الغربية والمواقف الأمريكية غير المفهومة وغير المسؤولة وانحسار الدور الإيجابي لمنظمة الأمم المتحدة وانشغال الدول الكبرى بمشاكلها المباشرة والدعوات المستجدة لخلق بؤر استقطابية تعيد إلى أذهاننا سنين الحرب الباردة وانقسام المعمورة لمعسكرين في حينها ليصبح من الصعب في ظل هذه الظروف اتخاذ قرارات مستقبلية للمصالح الوطنية والإقليمية لمعظم دول العالم ومنها الدول العربية والإسلامية إن لم تكن بصورة جماعية، ورغم أن الفائدة المرجوة في ظل هذه الأوضاع هي اقتناع هذه الدول بأن مصالحها المستقبلية يجب أن تكون من صميم تطلعاتها الوطنية دون الالتفات لما يعيق هذه التطلعات الواجبة، ووضع هذه العوائق والخلافات في الرفوف العالية حتى لا تكون في متناول اليد ولاافي متناول الأجيال القادمة.

إن الدولتين المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية يمتلكان دائما كل مقومات الدولة المركزية ولهما وزنهما وشأنهما في ما يخص كل أحداث وأوضاع المنطقة، ويمتلكان الأدوات التي تغير مجرى تلك الأحداث وتضيق الفرصة على كوارث نتائجها وباستطاعتهما العمل على وضع حد للأحداث الغير القيمة والمؤذية والتي ربما تفرز كل أنواع عدم الاستقرار.

إن أي حدود من التفاهمات التركية السعودية وفي ظل وجود إرادة ورغبة لدى الطرفين وتوفر الجهود المخلصة والصادقة بين القيادتين، تعتبر تلك مكسبا حقيقيا لكل شعوب المنطقة بصورة عامة لأنها تؤدي حتما إلى بسط الاستقرار واستمرار حركة الحياة والازدهار لعموم المنطقة.

تاريخيا للدوتين مواقف مشرفة لبعضهما البعض وهذا هو أساس التعامل وأساس علاقاتهما، كما أن تلك المواقف الأخوية هي التي تمنع تدهور تلك العلاقات في وقت حصول ما يعكر الأجواء الصافية وهي نفسها التي تحتم الرجوع سريعا إلى العلاقات الطبيعية.

هذه العلاقات والرغبة الصادقة ووجود مصالح مشتركة ووجود الحاجة للطرف الآخر وتيقن الطرفين بالحاجة لبعضهما البعض ووجود مقومات تطوير العلاقات في البلدين، هي مؤشرات على أن نتائج زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ستكون تاريخية وستفتح صفحة جديدة في مسيرة العلاقات الأخوية بين البلدين، بل أنها ستؤسس لقاعدة جديدة للبناء عليها مستقبلًا لإعلاء شأن هذه العلاقات.

وبعيدا عن الأقاويل التي تحاول جهد المستطاع النيل من توقيت الزيارة وفتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين، فإن الحاجة الماسة للملكة العربية السعودية أو لتركيا كل على حدة أو لكليهما مجتمعين تصب في الصالح العام للمنطقة ككل، وإن تصوير الزيارة  بأنها إعلامية أكثر مما هي ضرورية أو أن نتائجها ستكون مؤقتة – فإن مايتبع تلك الزيارة والذي يعقب فتح صفحة جديدة في علاقات البلدين ومشلركة الطرفين في إيجاد أنجع الحلول للوضع الإقليمي ومشاكل المنطقة المتواترة صنعتها قوى لا تريد الاستقرار للمنطقة، سيكون دليلا على الأهمية القصوى لهذه الزيارة.

وفي النهاية فإن الزيارة التي أجراها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتركيا، سبقها تحول كبير للسياسة التركية تجاه الخليج بصورة خاصة ولباقي الدول العربية عامة، كما أن تصريحات المسؤولين الأتراك وقادتها حول التحول الحقيقي لسياستها هي إحدى العوامل التي مهدت  للزيارة مثلما هي ركيزة حقيقية لبناء علاقات قادمة وقوية ومتينة، كما تعتبر الزيارة الكارت الأخضر لباقي الدول في تطوير علاقاتها مع تركيا، مثلما ترى تركيا أن زيارة ولي العهد سيعبد الطريق من أنقرة إلى باقي عواصم العالم العربي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس