فخر الدين ألطون - الجزيرة نت

شهدنا في غضون الاشهر الاخيرة قيام اليونان الدولة الجارة بعديد من الاعمال الاستفزازية التي لا طائل يرجى من ورائها. وهي ليست إلا نماذج لسيناريوهات اعتدنا مشاهدتها، حيث تعمد اليونان إلى رفع التوتر من حين لآخر وتتمادى في طرح ادعاءات خارجة عن نطاق العقل والمنطق ومخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية، وتعمل خلف الأبواب المغلقة وفي كواليس عواصم غربية على دفع تلك الدول إلى ممارسة الضغط على تركيا.

دأب بعض السياسيين في البلد الجار على عادة مهاجمة تركيا باعتبارها وسيلة سهلة لصرف الانتباه عن إخفاقاتهم الاستراتيجية ومحاولة لكسب التعاطف السياسي الداخلي. لكننا نود مجددا أن نذكر جارنا وحليفنا في حلف الشمال الاطلسي (الناتو) أن تكتيكاته تلك محكومة بفشل استراتيجي ذريع، وأن لا أحد سيستفيد من التصعيد المستمر للتوتر في بحر ايجة، وأن العواقب الوخيمة لذلك التوتر تعود أكثر وأكثر في كل مرة على الطرف المستفز.

وقد كانت بعض الدول الاوروبية تربط توجهاتها السياسية تجاه تركيا بذلك السلوك اليوناني المتهافت والمندفع. وفي هذا السياق يمكن إدراج مبادرات من قبيل ضم قبرص إلى الاتحاد الأوروبي وتشجيع اليونان في مساعيها لابقاء تركيا خارج شرق المتوسط، وهي أمثلة قليلة على النهج الذي اتبعته العواصم الأوروبية في خلق مشاكل عويصة جديدة بدلا من البحث عن حلول دائمة للقضايا المطروحة.

لقد أقدمت الدول الاوروبية من خلال قبول قبرص عضوا في الاتحاد الاوروبي على خطأ استراتيجي كارثي، لم يقتصر ضرره على التشجيع على القيام بمشاريع الطاقة المحكومة بالفشل وغير القابلة للتمويل التي لا تكتفي بإقصاء تركيا، بل تتعداها الى حرمان القبارصة الأتراك من حقوقهم الشرعية، ونحن لن نسمح بذلك أبدا. لكن يبدو أن اليونانيين والقبارصة اليونانيين سيواجهون النتائج المترتبة على محاولة اختبار عزمنا وثباتنا في موفقنا. فعلى الرغم من دعوتنا إلى خفض التوتر، وقبولنا الجلوس على طاولة الحوار الاستراتيجي، إلا أن الطرف اليوناني نجح في المماطلة وإضاعة الوقت في هذه المشاورات. إن بلدنا وبالزعامة الحكيمة لرئيسنا عازمون على الدوام على حماية مصالحنا الوطنية، ونحن في نفس الوقت نعرب عن موقفنا الإيجابي والمنفتح على الحوار.

عندما بدأت الحرب في أوكرانيا قام العديد من القادة الأوروبيين، بما فيهم رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس،  بزيارة تركيا وأكدوا على الأهمية الكبيرة لها في المنطقة. ولكن لدى جارنا عادة سيئة أخذها عن بعض الدول الغربية؛ وهي: إدراك الأهمية الجيوسياسية لتركيا عندما تنشأ أزمة في المنطقة، ثم تجاهل هذه الأهمية عند اختفاء بوادر الأزمة.

هذه الحسابات الخاطئة وضيق الأفق الاستراتيجي هي قضية مهيمنة في العلاقات الغربية مع تركيا. وقد اتبع القادة اليونانيون نفس النهج في السنوات الأخيرة. ولكن علينا أن نذكر الحكومة أو القيادة السياسية في أثينا أنه على عكس البلدان الأخرى التي تعاني فقدان الذاكرة فيما يتعلق بأهمية تركيا الاستراتيجية، يجب أن تدرك أثينا أن تركيا واليونان تشتركان في حدود برية وبحرية، وأننا سنواصل العيش جنباً إلى جنب، وسيؤدي تدهور علاقاتنا الثنائية إلى مشاكل في منطقتنا لن تكون في صالح أي طرف.

على الرغم من هذه الحقيقة، اتبع السيد ميتسوتاكيس مسارا خاطئا بعد زيارته لتركيا مع اندلاع حرب أوكرانيا. فخلال زيارته لواشنطن حاول استخدام الكونجرس الأمريكي كمنصة للهجوم والضغط على المصالح الوطنية التركية والتأثير على علاقاتنا مع الولايات المتحدة. وليس الحديث الذي ألقاه  هناك منتقدا السلطة التشريعية في تركيا إلا دليلا على قلة الخبرة والسعي للتدخل في شؤون دولة ثالثة، ما يسبب احتكاكا غير ضروري داخل الناتو في واحدة من أكثر الأوقات المحورية في تاريخه. الحملة اليونانية المضادة ضد تركيا هي تصرف غير لائق يجب أن يجابه بحزم من قبل الحلف الاطلسي لما لها من ضرر على مستقبل الحلف وأمن المنطقة. محاولة اليونان استغلال الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية لتعزيز مصالحها الوطنية، هي سياسة بعيدة عن التبصر ولا تخدم المصالح اليونانية أو السلام في المنطقة على المدى الطويل.

على الرغم من تكرر هذه الممارسات، تظل تركيا ملتزمة بالحلول عبر الدبلوماسية والحوار. نختار أن نكون الجانب الأكثر نضجاً مع حرصنا على حماية مصالحنا الوطنية بأي ثمن كان. يجب على السياسيين اليونانيين وبعض القادة الغربيين أن يدركوا أن نشر الدعاية المضادة لتركيا لن يفيد أحدا على المدى البعيد. فالعقبات السياسية الداخلية مؤقتة، ويعرف العديد من القادة الأوروبيين ذلك من خلال علاقاتهم السابقة مع رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.

نؤمن بقوة بالدبلوماسية والحلول السياسية في ظل القيادة الحازمة لرئيس الجمهورية أردوغان، ولا نتنازل عن حماية المصالح الأساسية لأمننا القومي. مجتمعنا كما في الشريحة الكبيرة من المجتمع اليوناني، يريد أن يعيش في سلام ووئام في هذه المنطقة. القواسم المشتركة بين ثقافاتنا وتقاليدنا ومجتمعاتنا أكبر من اختلافاتنا.

في الوقت الذي تواجه فيه القارة الأوروبية والبحر الأسود والشرق الأوسط تغيرات هيكلية وتهديدات أمنية، لا يحتاج العالم إلى تحول بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط ​إلى منطقة صراع أخرى. نأمل أن تسود السكينة والهدوء في اليونان وأن يقرر السياسيون اليونانيون العمل مع تركيا لتحقيق سلام دائم في المنطقة. والقيام بخلاف ذلك سيتسبب بفشل استراتيجي كبير لهم. كما نحث القادة الغربيين على الامتناع عن الأعمال التي تخلق توترات غير لازمة وتشجع اليونان على الدخول في صراع مع تركيا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس