جلال سلمي ـ خاص ترك برس

تُعد مشكلة السكن في الدول العربية من أكثر المشاكل المعقدة التي يعاني منها المواطن العربي، حيث أوضحت الدراسات التي أجراها المعهد العربي لإنماء المدن أن نحو 60%  من سكان المدن في الوطن العربي يقطنون بمنازل مؤجرة أو في مناطق سكن غير منظمة وغير مؤهلة للعيش الصحي والتي يطلق عليها "العشوائيات".

وكما تُبين الدراسات بأن هذه المعضلة بدأت في الوطن العربي قبل ما يقارب 60 عاماً أي أن هذه المشكلة بدأت بالتزامن مع حصول الدول العربية علي استقلالها؛ إذا كان الأمر جد خطير وقديمٌ جداً إلي هذا الحد إذاً ما هو الحل المناسب لتلك المُعضلة؟

بعد عدة استطلاعات وأبحاث استطعت الوصول إلى نموذج تطبيقي يُمكننا من حل هذه المشكلة؛ هذا النموذج  يُطبق في تركيا و استنتجنا بأنه حقق الكثير من النجاحات لتركيا في قضية حل أزمة السكن في المُدن. وبما أن تركيا، قبل نهوضها، كانت قبل سنوات قليلة مشابهة للوطن العربي من ناحية الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فإن احتذائنا بهذا النموذج لطرحه حلاً لأزمة السكن في الوطن العربي سيكون أمرًا واقعيًا ومثاليًا جداً.

قامت تركيا بحل هذه المشكلة من خلال تأسيس الإدارة العامة للإسكان التركية {طوكي}، وسنقوم من خلال دراستنا هذه بتوضيح ماهية طوكي وتاريخ إنشائها وكيفية عملها ومن يستطيع الاستفادة منها من خلال طرح عدة نقاط توضيحية:

ماهي طوكي

طوكي لغوياً، تُشكل اختصاراً لرئاسة الإدارة العامة للإسكان التركية، وأما طوكي اصطلاحاً؛ فتعني الإدارة العامة للإسكان التركية التي تم إنشاؤها، في تركيا، بتاريخ 1984 بهدف حل مشكلة الإسكان المتراكمة في تركيا ذات النسمات المرتفعة سنوياً بشكل كبير.

الوظيفة الرئيسية لطوكي

الوظيفة الرئيسية لطوكي هي؛ تلبية الطلبات المرتفعة علي السكانات في المدن بشكل مخطط ومنظم، تشمل هذه الخطط والتنظيمات بشكل خاص المواطنين أصحاب الدخل المحدود، كما أن طوكي تعمل علي إنشاء مدن سكنية ضخمة ذات إطلالة رائعة و بيئة جميلة وصحية علي حدود المدن الرئيسية لإراحة هذه المدن من الازدحام الإنساني والسكني معاً.

المصادر التمويلية الخاصة بطوكي

بعد تأسيس طوكي عام 1984 تم إصدار قانون برلماني خاص يسمح لطوكي بإنشاء صندوق نقدي خاص بها لتحقيق ماليتها عن طريق الاكتفاء الذاتي؛ وبهذا الشكل أصبحت طوكي صاحبة صندوق نقد خاص كافي ومُستمر ومنفصل عن الميزانية العامة للدولة.

تعمل طوكي علي تغطية تكاليف صندوقها النقدي من خلال التجارة العقارية التي تقوم بها أو من خلال شراء أراضي أو مناطق سياحية وتأجيرها أو من خلال القروض البنكية. كما أن طوكي أثناء تنفيذها لوظفيته الرسمية، والتي هي توفير مساكن لمحدودي الدخل، تحصل علي مصدر تمويل من خلال بيع المساكن التي تنشاؤها وتبيعها لمحدودي الدخل، ولكن لأن طوكي تبيع محدودي الدخل المساكن بالتقسيط فإن مصدر التمويل الذي تحصل عليه من خلال هذه العملية، يكون طويل الأمد بعض الشيء.

الاستراتيجية المُتبعة في ألية عمل طوكي

كما أسلفنا مصادر التمويل الخاصة بطوكي ذاتية؛ من أجل ذلك تقوم ألية عمل طوكي بشكل كبير علي إرساء مبدأ التقاسم والتشارك بين طبقات المجتمع؛ بحيث تقوم طوكي بتطوير المشاريع التجارية والسياحية والاقتصادية الضخمة وشراء الأراضي والمناطق السياحية والمساكن الفخمة والراقية وبيعها للطبقة الغنية ومن ثم تستعمل أموال الربح التي تحصل من خلال هذه العملية، في بناء بيوت سكنية علي شكل مدن سكنية وبيعها وتخصيصها للمواطنين ذو الأجور المحدودة.

وكما أن هناك استراتيجية أخري تعمل بها طوكي بحيث تقوم شراء الأراضي، التي ستبني عليها البيوت السكنية المُخصصة للمواطنين متدني الأجر، وتسلمها للمقاولين ليقوموا بإنشاء المدن السكنية الضخمة عليها، وتقوم طوكي بدلاً من دفع الأجرة النقدية للمقاولين التقاسم معهم بعض الشقق التي تساوي الأجرة وبذلك تستطيع إتمام مدن ضخمة من دون دفع نقدي مسبق.

أمثلة علي مشاريع أتمتها طوكي

- إسطنبول، مدينة باشاك شهير السكنية :2454 وحدة سكنية

- أنقرة، كوزي يلديز :750 وحدة سكنية

- إزمير، مافي شهير :700 وحدة سكنية

- تاكير داغ، جركس كوي :250 وحدة سكنية

- أضنة، مدينة جيهان السكنية :850 وحدة سكنية

وغيرها الكثير من المدن والوحدات السكنية التي تمكنت طوكي من انجازها منذ تأسيسها إلي يومنا هذا. وبالفعل اليوم الجائل في إسطنبول أو أنقرة أو أي مدينة في تركيا سيلاحظ أنه لا يوجد أي مكان للمساكن العشوائية بل جميع المدن أصبحت منظمة بشكل لائق وصحي جداً، كما أن المتجول سيلاحظ بأن أغلب المواطنين الأتراك متدني الدخل أصبح بإمكانهم إمتلاك شقق سكنية خاصة بهم.

الفئة المستفيدة من مشاريع طوكي السكنية

كقارئ عربي لهذا المقال، ستسأل نفسك ماذا عساي أن أستفيد أنا كمستثمر أو مواطن عربي من مشاريع طوكي؟ قبل الإجابة علي سؤالك أود أن أتحدث عن الشروط التي يجب أن يتحلي بها الرجل الذي يُريد الإستفادة من طوكي:

1ـ أن يكون مواطناً تركياً متدني الدخل، الراتب مُتدني الدخل يُحدد ب 750 ليرة تركية.

2ـ إن لم يكن مُتدني الدخل ؛ أن يكون شخص مقيم في "العشوائيات" التي يتم هدمها، ليتمكن من اكتساب حق التعويض بشقة مقابل السكن العشوائي الذي كان يُقيم فيه.

3ـ أن لا يكون قد اشتري أو حصل علي شقة من طوكي قبل ذلك.

4ـ أن يكون يتلقي راتبه من خلال إحدي البنوك لضمان السداد، ولا يُنظر إلا نوعية عمله سواء كانت خاصة أو حكومية.

5ـ إذا كان الشخص  لا يعمل لأسباب خاصة ويتلقَ المساعدات من جمعيات مساعدة يجب عليه إظهار بطاقة المساعدات مع وثيقة تُبين إسم الجمعية التي يتلق منها المساعدة للتقييم والتحقق من الأمر.

المواطن التركي الذي تنطبق عليه الشروط أعلاه يستطيع الإستفادة من المشاريع السكنية الخاصة بطوكي، ولكن المواطن أو المستثمر العربي كيف يستطيع الإستفادة من تلك المشاريع؟

المواطن أو المستثمر العربي بسهولة يستطيع الإستفادة من تلك المشاريع من خلال شراؤها بكل سهولة من مواطن تركي. مايميز هذه المشاريع رخص ثمنها و المناطق الجميلة المحيطة بها. بخصوص ثمن هذه الوحدات ليس باهظ جداً وحتي إذا أراد المستثمر العربي أن يشتري الوحدات السكنية المشمولة ضمن مشاريع طوكي لن يشتريها بأثمان باهظة جداً بل علي العكس تماماً، أسعارها تكون رخيصة جداً مقارنةَ بالوحدات السكنية الأخري الغير التابعة لطوكي، كما أن المستثمر الذي يتملك لهذا الوحدات يمكنه بعد فترة زمنية معينة بيعها بأسعار تحقق له الربح الطائل والوفير وذلك لأن العقار التركي في ارتفاعٍ دائم والطلب علي هذا العقار أيضاً في ارتفاعٍ دائم.

أما بخصوص القوانين الخاصة بالتملك والاستثمار في تركيا فهي موجودة وتحمي الأجنبي من جميع النواحي، بخصوص القوانين الخاصة بالتملك والاستثمار السكني العقاري فهي كالتالي:

1ـ القوانين الخاصة بتملك الشخص العادي، القوانين والبنود الخاصة بتملك الشخص الأجنبي العادي في تركيا تم صيغاتها وتعديلها في القانون رقم 6302 "قانون التملك الخاص"، الصادر في تاريخ 18 مايو 2012، بالأجانب وكإيجاز للقانون، فإنه يؤكد حق الأجنبي بالتملك في تركيا ولكن يحدد المقدار الذي يستطيع الأجنبي تملكه، حيث أنه حسب القانون يحق للشخص الأجنبي العادي امتلاك أرض تكون مساحتها النهائية 30 ألف متر مربع، ومنزل سكني غير محددة مساحته وسيارة شخصية.

2ـ القوانين الخاصة باستثمار الشركات الأجنبية "العقاري"، حسب "قانون التجارة التركي" رقم "27846" و"قانون تشجيع السياحة" رقم "2634" فإنه يحق للشركات الأجنبية المُستثمرة في مجال العقارات أن تمتلك قدر ماتشاء من الأملاك العقارية دون أي قيد أو شرط.

"طوكي" ستكون مناسبة للشخص العربي العادي ومربحة للشركة الاستثمارية العربية.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس