د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس

قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [الآنفال: 47] .

ينهى المولى - عزَّ وجلَّ - المؤمنين عن التشبُّه بالكافرين؛ الَّذين خرجوا من ديارهم بطراً، ورئاء النَّاس، وتفسير الآية الكريمة:

1 - ﴿بَطَرًا﴾: قال القرطبيُّ: «والبطر في اللغة:، أي: التَّقوية بنعم الله - عزَّ وجلَّ - وما ألبسه من العافية على المعاصي».(القرطبي، 1965، 8/25).

2 - ﴿وَرِئَاءَ﴾: ومعناه:، أو الفعل الَّذي لا يقصد معه الإخلاص؛ وإنَّما يُقصد به التَّظاهر، وحبُّ الثناء.

3 - ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾: معطوفاً على ﴿ بَطَرًا ﴾، والسَّبيل: الطَّريق الَّذي فيه سهولةٌ، والمراد بسبيل الله: دينه؛ لأنَّه يوصل النَّاس إلى الخير، والصَّلاح.

فقد وصف - سبحانه - الكافرين في هذه الآية بثلاثة أشياء:

الأول: البطر، والثَّاني: الرِّياء، والثالث: الصَّدُّ عن سبيل الله.

ونلحظ: أنَّ الله تعالى عبَّر عن بطرهم، بصيغة الاسم الدَّالِّ على التَّمكين، والثُّبوت، وعن صدِّهم بصيغة الفعل الدَّالّ على التجدُّد والحدوث.(آل عابد، 1994، 15/173)

قال الإمام الرَّازي: «إنَّ أبا جهلٍ ورَهْطَه، وشيعتَه، كانوا مجبولين على البطر، والمفاخرة، والعُجْب، وأمَّا صدُّهم عن سبيل الله، فإنَّما حصل في الزَّمان؛ الَّذي أكرم فيه النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بالنُّبوَّة، ولهذا السَّبب ذُكِر البطر، والرئاء بصيغة الاسم، وذُكِر الصَّدُّ عن سبيل الله بصيغة الفعل، والله أعلم».(الرازي، 1999، 15/173)

وقد جاء في تفسير هذه الآية عند القرطبيِّ: أنَّ المقصود بالآية: «يعني: أبا جهلٍ وأصحابه الخارجين يوم بدرٍ لنُصرة العِير، خرجوا بالقِيَان، والمغنِّيات والمعازف، فلـمَّا وردوا الجُحفة، بعث خُفافُ الكنانيُّ - وكان صديقاً لأبي جهلٍ - بهدايا إليه مع ابنٍ له، وقال: إن شئتَ؛ أمددتك بالرِّجال، وإن شئتَ؛ أمددتك بنفسي مع مَنْ خفَّ من قومي، فقال أبو جهل: إن كنا نقاتل اللهَ كما يزعم محمَّد؛ فوالله ما لنا بالله من طاقةٍ، وإن كنَّا نقاتل النَّاس؛ فوالله إنَّ بنا على النَّاس لقوةً، والله! لا نرجع عن قتال محمَّد حتَّى نرد بدراً، فنشربَ فيها الخمور، وتعزف علينا القِيانُ، فإن بدراً موسمٌ من مواسم العرب، وسوقٌ من أسواقهم، حتَّى تسمع العرب بمخرجنا، فتهابنا اخر الأبد، فوردوا بدراً، ولكن جرى ما جرى من هلاكهم».(القرطبي، 1965، 8/25)


مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، 1425ه/2004م، صص 634-636.

أبو عبد الله محمَّد بن أحمد الأنصاريِّ القرطبيِّ، تفسير القرطبيِّ دار إحياء التُّراث العربيِّ، بيروت - لبنان،1385ه 1965 م.

أبو بكر الرازي، تفسير الرَّازي، دار إحياء التُّراث العربي - بيروت، الطَّبعة الثالثة. 1420ه-1999م.

محمَّد بكر ال عابد، حديث القرآن عن غزوات الرَّسول(ﷺ)،  دار الغرب الإسلاميِّ، الطَّبعة الأولى.1414ه-1994م.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس