إبراهيم كاراتاش - TRT عربي

الحكومة الائتلافية هي شكل من أشكال الحكومات يتكون من أكثر من حزب سياسي، وتتشكّل عندما لا يتمكّن حزب واحد من الحصول على الأغلبية المطلقة بعد إجراء الانتخابات.

هذا النوع من الأنظمة الحكومية، المنتشر في جميع أنحاء العالم، له مزايا وعيوب، ولكن يصعب القول إن عيوبه تفوق فوائده، والدول التي تحكمها الحكومات الائتلافية تستمر في النظام، ليس لأنه مثالي، بل لأن مناخها السياسي يمنعها من التخلي عنه.

فمن المعلوم أن إيطاليا شهدت تَشكُّل 68 حكومة في 76 عاماً، في حين أجرت إسرائيل خمسة انتخابات في أربع سنوات بين 2018 و2022، ولم تتمكن الأحزاب الهولندية من تشكيل حكومة في تسعة أشهر بعد انتخابات عام 2021.

وإن شُكّلَت الحكومات في نهاية المطاف، فإن عمرها يُعَدّ قصيراً للغاية، إذ إن للشركاء في التحالف وجهات نظر وطرقاً وتوقعات وأهدافاً مختلفة في ما يتعلق بالحكم، وعندما تتعارض مصالح الأحزاب فإنهم يحلون الحكومة ويتسببون في مأزق في إدارة البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإن عملية صنع القرار تكون بطيئة وغير حازمة في الحكومات الائتلافية.

للحكومات الائتلافية بالطبع فوائد متواضعة، مثل إعطاء السلطة لفصائل مختلفة من المجتمع، وتمثيل إرادة غالبية السكان. لكن عديداً من الحكومات قصيرة العهد يشير إلى أن الحكومات الائتلافية ليست الخيار الأفضل، على الرغم من أن البعض قد يعتقد بخلاف ذلك.

الوضع في تركيا

تركيا هي إحدى الدول التي عانت من حكومات ائتلافية في الماضي، فقد شهدت البلاد أول حكومة ائتلافية عام 1961 عندما شكّل حزب العدالة (يمين) وحزب الشعب الجمهوري (يسار) حكومة ما بعد الانقلاب، التي استمرت سبعة أشهر فقط.

بين عامَي 1961 و2002 (العام الذي وصل فيه حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان إلى السلطة) تشكلت في تركيا 17 حكومة ائتلافية، وكان متوسط عمر بقاء الحكومة في الحكم 2.4 سنة، إذ بلغت فترة أقصر الحكومات ثلاثة أشهر وأطولها 3.5 سنة.

علاوة على ذلك، أدّى النظام البرلماني في كثير من الأحيان إلى اضطرابات سياسية وانتخابات مبكّرة، مما أدّى إلى تشكيل عدد كبير من الحكومات وصل إلى 48 حكومة منذ عام 1950.

على عكس البلدان الأخرى، كان للجيش التركي تأثير كبير في السياسة خلال النظام البرلماني مستغلّاً ضعف الحكومات المتعاقبة.

وبينما شُكّلَت الحكومة الائتلافية الأولى بعد الانقلاب، فإن حكومات أخرى متعددة الأحزاب شُكّلَت بشكل أو آخر تحت ضغط جنرالات الجيش، كما اضطُرّ رئيس الوزراء نجم الدين أربكان إلى حل الحكومة الائتلافية في عام 1997. وقد جاءت الحكومة الجديدة المكونة من ثلاثة أحزاب (Anasol-D) والتي حلّت محلّ رئاسة أربكان مرة أخرى نتيجة لضغوط عسكرية.

كان الجيش التركي مثل "سيف ديموقليس المُصلَت" على حكومات الحزب الواحد أيضاً، لكن تشكيل/تشويه الائتلافات كان دائماً أسهل لجنرالات الجيش.علاوة على ذلك، أضرَّت الحكومات الائتلافية التركية بالدولة، ولا سيما الخزينة. المثال التالي جدير بالملاحظة في إظهار تأثيرها المدمّر.

قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، حكم تحالف من ثلاثة أحزاب تركيا، واستُبعدت حينها أكبر ثلاثة بنوك مملوكة للدولة، التي تحطّم الآن أرقاماً قياسية في الأرباح، من وزارة الاقتصاد، وكان كل منها مرتبطاً بثلاث وزارات أخرى برئاسة ثلاثة وزراء مختلفين من أحزاب الائتلاف. اختلسَت أحزاب التحالف أموال البنوك، مما جعلها على وشك الإفلاس، كما أشعلت شرارة أكبر أزمة مصرفية في تاريخ تركيا.

وإدراكاً منه للآثار الكارثية للحكومات الائتلافية، طرح الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان رئيس الوزراء آنذاك، فكرة النظام الرئاسي في منتصف عام 2010 للمناقشة العامة، وبدأ حملته عام 2015.

كان الرئيسان الراحلان، تورغوت أوزال وسليمان ديميريل، يريدان التحول إلى نظام رئاسي، لكنهما أخفقا في تحقيق ذلك. كان الرئيس رجب طيب أردوغان حازماً بشأن هذا النوع من التغيير، وفي النهاية قبلت تركيا النظام من خلال استفتاءٍ عُقد في 17 أبريل/نيسان 2017، واعتُمد رسمياً في 9 يوليو/تموز 2018.

منذ ذلك الحين تتمتع تركيا باستقرار سياسي لم يسبق له مثيل، فضلاً عن اتخاذ قرارات سريعة وفعَّالة انعكست على نوعية حياة الشعب التركي.

شهدت تركيا المنافع الكاملة للنظام الرئاسي خلال جائحة كوفيد، والاضطرابات التي أعقبت الوباء، والزلزال المزدوج في 6 فبراير/شباط 2023.

أصوات معارضة

على الرغم من المزايا الواضحة للنظام الرئاسي، فإن له معارضين على الرغم من أن اعتراضاتهم بالكاد مقنعة.

الحجة القائلة بأن السلطة تتركز في يد رجل واحد خاطئة، لأن رئيس الوزراء كان يتمتع في السابق بنفس الصلاحيات.

كان في النظام البرلماني أيضاً رئيس، لكنه كان يوافق فقط على الحكومة أو البرلمان الذي يسنّه على الرغم من بعض الاستثناءات، لأن الرئيس ينتخبه الحزب الحاكم في الغالب.

من ناحية أخرى، عندما انتخب حزب آخر الرئيس، اندلعت أزمات سياسية. علاوة على ذلك كان المقعد الرئاسي خلال النظام البرلماني رمزياً، وله سلطة ضعيفة، ويسبب اضطراباً سياسيّاً عموماً ما لم ينتخبه أعضاء الحزب الحاكم في البرلمان.

وعلى الرغم من أن أحزاب المعارضة التركية تجادل بأنها ستعيد النظام البرلماني، فإن تصريحاتها متناقضة.

في برنامج تليفزيوني خلال حملته الرئاسية عام 2018، قال مرشح حزب الشعب الجمهوري للرئاسة آنذاك محرم إنجه، إنه سيستخدم السلطة الرئاسية بدلاً من التخلّي عنها. بالإضافة إلى ذلك، في حين أن تحالف الأمة المعارض لا يزال يؤيد نظاماً برلمانياً قويّاً في بياناته، فإن نظامهم الحكومي المبلور يتألف من رئيس وسبعة نواب للرئيس، وهو ما لا يعتبره أنصار المعارضة منطقياً.

يبدو أن المعارضة التركية ليست ضد النظام الرئاسي، بل ضد الرئيس، أي الرئيس رجب طيب أردوغان.

يمكن القول إن تركيا، من الناس في الشارع إلى الأحزاب السياسية، راضية عن النظام الرئاسي، ولن يحاول أي حزب على الأرجح العودة إلى النظام البرلماني. بعبارة أخرى، قررت تركيا نظامها الحكومي، ومن غير المرجح تغييره.

لا نظام مثالي في المطلق، ويعترف كثير من الأشخاص، منهم الرئيس رجب طيب أردوغان، بالحاجة إلى بعض التعديلات، وقد يكون من المتوقع إجراء بعض التنقيحات بعد انتخابات 14 مايو/أيار الحالي.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس