ترك برس – زاهد صوفي

على الرغم من أن الرئيس رجب طيب أردوغان لم يحسم السياق الرئاسي بشكل رسمي حتى الآن، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى قرب هذا الحسم في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التي ستجري يوم 28 مايو/ أيار الجاري.

مما لا شك فيه أن فوز أردوغان في الجولة الثانية أمر مهم بالنسبة لمواصلة المشاريع الضخمة لتركيا وتطوير الصناعات الدفاعية ومواصلة مسيرة السياسة الخارجية الناجحة التي ساهمت في حل العديد من الأزمات العالمية وخاصة أزمة الغذاء التي كانت ستتفاقم بعد الحرب الروسية الأوكرانية لولا تدخل دبلوماسية أردوغان.

لكن وعلى الرغم من ذلك فإن أردوغان يحلم بما هو أكثر من ذلك، فهو يسعى منذ سنوات لإجراء تغيير جذري في الدستور الحالي للبلاد على اعتبار أن هذا الدستور تأسس على يد الانقلابيين مطلع ثمانينيات القرن الماضي.

وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية أجرى العديد من التعديلات عليه، إلا أن هناك بعض البنود والمواد في الدستور الحالي تعيق تطور ونهضة البلاد أكثر وتتيح لشريحة معينة امتيازات قد لا يستحقونها.

ويسعى أردوغان برفقة حليفه زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي إلى صياغة دستور جديد أطلقوا عليه اسم "الدستور المدني" وذلك بهدف التخلص تماما من آثار الانقلابيين التي ما زالت موجودة في أحشاء الدستور الحالي المعمول به في البلاد.

وبحسب القوانين التركية، فإن تغيير الدستور يحتاج إلى موافقة 400 نائب برلماني من أصل 600 عضو في البرلمان التركي، وهذا العدد لم يتحقق في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت يوم 14 مايو/ أيار الجاري. فقد حصل تحالف الجمهور بقيادة العدالة والتنمية على 323 مقعدا في البرلمان.

تحالف الجمهور الساعي لتعيير الدستور يحتاج الآن إلى 360 نائبا على أقل تقدير كي يتمكن من عرض مقترحهم لتغيير الدستور إلى الاستفتاء الشعبي. وهذا العدد أيضا غير متوفر لديهم.

لكن وانطلاقا من حنكة الرئيس أردوغان في السياسة، هناك سبل أخرى لتحقيق هذا الحلم الذي طال انتظاره بالنسبة لأردوغان وحزبه (العدالة والتنمية).

بحسب النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية فقد فاز تحالف الجمهور بـ323 مقعدا وحظي تحالف الأمة بـ212 مقعدا فيما نال تحالف العمل والحرية 61 مقعدا في البرلمان.

لكن اللافت للانتباه في النتائج أن تحالف الأمة بقيادة حزب الشعب الجمهوري اليساري والمدافع عن الفكر العلماني في البلاد، يضم 5 أحزاب يمينية هي الحزب الجيد بقيادة ميرال أقشنر وحزب المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو رفيق درب أردوغان السابق، وكذلك زعيم حزب النهضة والديمقراطية علي باباجان وحزب السعادة بقيادة تمل قرة ملا أوغلو والحزب الديمقراطي بقيادة غولتكين أويصال.

وقد تمكنت أحزاب المستقبل والسعادة والديمقراطي والنهضة والديمقراطية، من انتزاع 36 مقعدا في البرلمان عبر خوضهم الانتخابات من لوائح حزب الشعب الجمهوري.

وبعد أن وقع الفأس بالرأس، أدرك اليساريون المدافعون بشدة عن الفكر العلماني وعدم انتشار الفكر الإسلامي في البلاد أكثر، إلى خطورة هذا الوضع وبدأوا بانتقاد قادة حزب الشعب الجمهوري، معتبرين أن حنكة أردوغان السياسية قد تنجح في استعادة رفقاء دربه السابقين (داود أوغلو وباباجان وقرة ملا أوغلو) إلى صفه مجددا وبالتالي سيكون بمقدوره تمرير الدستور الجديد من البرلمان.

فهل يقوم أردوغان بهذه الخطوة ويتحالف مجددا مع رفقاء دربه السابقين، سيما أن العديد من المحللين السياسيين المختصين في الشأن التركي الداخلي، يقولون بأن الخلافات بين أردوغان وكل من داود أوغلو وباباجان وقرة ملا أوغلو، ليست بالمشاكل التي لا يمكن تخطيها.

ويقول المحللون إن الرئيس أردوغان بارع في مثل هذه المناورات السياسية، إذ أنه جلب إلى صفه أشد منتقديه في السابق وتحالف معهم وضم بعضهم إلى صفوف حزبه أمثال زعيم الحركة القومية دولت باهتشلي الذي تحالف مع أردوغان بعد عام 2016 وكذلك وزير الداخلية الحالي سليمان صويلو الذي كان يتزعم الحزب الديمقراطي وكذلك الأمر بالنسبة لوكيل حزب العدالة والتنمية الحالي نعمان قورتولموش. فهؤلاء كانوا من أشد منتقدي أردوغان، إلا أن الأخير تمكن من إقناعهم والتحالف معهم.

يذكر أن النتائج الرسمية تشير إلى حصول حزب داود أوغلو على 10 مقاعد وحزب باباجان على 15 مقعدا وحزب السعادة على 10 مقاعد أيضا، بينما يبلغ عدد مقاعد الحزب الجيد القومي اليميني 43 مقعدا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس