د. مصطفى حامدأغلو - خاص ترك برس

ربما لأول مرة بتاريخ تركيا الحديثة ، يكون العرب المجنسين حاضرين بالانتخابات التركية بهذا الزخم والتواجد من ناحية التأثر والتأثير ، والتفاعل والمشاركة من جهة ، والنقد والاعتراض  والامتعاض من جهة أخرى.

فرحة الناخب "المواطن الجديد"  الكبيرة ، وهو يمارس حقه  الانتخابي  ربما لأول مرة بحياته بهذه الحرية والديمقراطية ،جديرة بالتوقف عندها ودراستها واستنتاج الدروس والعبر منها ،على مستوايات عديدة ..

هذه الفرحة رسالة للناخب نفسه لكي يدرك أهمية الوطن والحرية  والمواطنة وممارسة الحق الديمقراطي بدون أي خوف أو تملق ، واختيار من سيدير ويحكم هذا الوطن لفترة محددة من الزمن .

ورسالة لحكام تلك الدول التي حرمت شعوبها حتى هذه الفرحة ، عندما حرمتها الحرية  والديمقراطية بل حاربتها، عندما لم تثق بشعوبها ، وخافت من قرار مواطينها، واختارت أن تحكم شعوبها بالحديد والنار والبعد  عن الحرية والتعايش السلمي،  الذي هو ضمانة تلك البلاد ومفتاح تقدمها وازدهارها.

فرحة الاسلاميين والشيوخ  منهم بشكل  خاص وهم يتباهون بصورهم – وحق لهم ذلك - أثناء الإدلاء بصوتهم داخل تركيا وخارجها ، وحماسهم الكبير وتشجيعهم وتحفيزهم للمشاركة بالعملية الانتخابية ، أمر ايضاً جدير بالوقف عنده ومراجعة المواقف القديمة من الدولة المدنية والديمقراطية والعملية الانتخابية .

تلك المواقف المتصلبة التي ربما كان لها تأثيرا سلبياً على مسيرة الربيع العربي ببداياته عندما انشغلت تلك الفرق المشاركة بالخلافات والمناقشات والاختلافات حول  شكل  وماهية وأسم ودستور ونظام الدولة القادمة ، قبل أن تنتصر تلك الثورات وتقام تلك الدول.

غير أن المراقب لخطاب هذه الشريحة من "الناخبين الجدد" يجد انه يميل ويجنح للفرز العاطفي والديني العقائدي الاثني ، ومحاولة لوصف الفريقين ، بفريق الحق والباطل ، والمخلص والخائن ، واحيانا الكفر والايمان .

وكأن الطرف الآخر كله شر وأثم خالص ...ولايوجد لهم اي مبررات الخلاف والمعارضة والاختلاف مع الحزب الحاكم ...

بينما السياسة والحملات الانتخابية تقوم على أساس كسب الطرف الأخر ونيل تأييده لا حشره بزاوية الدفاع ودفعه للثأر وتحريضه للإنتقام .

اردوغان يخاطب ناخبي الشعب الجمهوري بالأخوة والبعض يضفي صفات الخيانة والتـآمر عليهم لأنهم انتخبوا الطرف الآخر ...

نريد من المجتمع أن يكون في صف واحد وبوتقة واحدة ورأي واحد ووراء رجل واحد ...

إما معي أو ضدي ..!

وكأننا تأثرنا من شكل الانظمة التي حكمت بلادنا ..فلا قبول للرأي الآخر ..

ماهكذا تكون السياسة وماهكذا تكسب الأصوات ...

حتى على مستوى الإيمان وليس الفكر السياسي فليس كل الناس ولو حرصت بمؤمنيين ...

فكيف نريد من هؤلاء وهم من ثقافات واديان ومشارب وعرقيات مختلفة أن لايكونوا مختلفين...

الانتخابات ليست معركة إلغاء الآخر ، وتخوينه وتكفيره وتضليله ، بل هي معركة انتخابية لأجل كسب صوت الآخر لا محاربته...

هذا إن جاز لنا استخدام كلمة "معركة" أصلاً...

الانتخابات هي سباق للفوز بتأييد غالبية الشعب .. الصالح منهم والمفسد الطالح .. المؤمن والملحد وغير المؤمن ...

وهذا سيتوجب من "الناخبين الجدد" تعديل خطابهم السياسي إن كانت لديهم نية ممارسة السياسة بدول قبلت نظام الديمقراطية  وتبادل السلطة والاحتكام الى صناديق الاقتراع ..

كما أن هذا النهج الخطابي يولد عند الطرف الآخر موقفاً سلبياً تجاه كل العرب والمسلمين المجنسين واللاجئين ...

ثمة ملاحظة خرى على هذا الخطاب وهي محاولة اضفاء صفة الخلاقة والخليفة على الوقع الحالي ،بينما نحن نعيش بدولة مدنية نظامها معروف للجميع ورئيسها هو رئيس الحمهوية التركية ...فلا ترهقوا هذا الحاكم بعبء جديد وحمل ثقيل...

بالأمس قالها أحد المشاركين "تعلموا أن تتحكموا بعواطفكم ،واجعلو أردوغان خليفة المسلمين في قلوبكم وليس على ألسنتكم "

موضوع آخر  يخوض به بعض محبي اليوتيوب والشهرة  الرخيصة ممن يتناولون تاريخ تركيا  وشخصيات رمزية لتركيا والاتراك وخاصة مؤسس الدولة التركية الحديثة ..

تركيا والاتراك متصالحين مع تاريخهم وهم الأدرى به وليسوا بحاجة لمثل هذه التفاهات التي تضر أكثر مما تفيد وتزيد من الكراهية والعنصرية ضد العرب والمسلمين...

قبل أكثر من ثلاثين عاما تابعت لقاء مع سفير أحدى الدول الغربية وهو ينصح السفير الجديد ويتكلم عن حساسية الشعب التركي ويوصيه بالابتعاد عن أمور هي خطوط حمر بالنسبة لغالبية الشعب هنا وهي:

 العلم ، والوطن ، ومؤسس تركيا ...

هذه يجب عدم الاقتراب منها من قبل الاجانب ..ويضيف قد يتقاتل الاتراك وقد ينتقدون انفسهم ويشتمون انفسهم وقد يخوضون بهذه الخطوط الحمر ...

لكن – وضع تحتها خمسة أسطر - لا يقبل اي واحد منهم أن يسمع ولو  واحد بالمئة مما قالواه و مايقولونه عندما يأتي  ذلك من الاجنبي ،  فحذار  ان تقع بمثل هذه المطبات...

هذه النيصحة من السفير يبدو ان الكثيرين  اليوم بحاجة أن يضعوها حلقة بآذانهم ..

اللاجئين السوريين هم اليوم موضوع المناوشات الدعائية  والاستغلال السياسي والمفاوضات الانتخابية ...

وسيكونون أيضاً بعد الانتخابات محل النقاش والخلاف ...

لأنه ملف كبير ويحتاج لعمل وجهد على مستويات عديدة ...

خاصة في ظل تنامي الشعور القومي والتحريض والكراهية ومن البعض العنصرية...

كل هذه الملاحظات والمؤشرات تستوجب من "الناخبين والمواطنيين الجدد" أن يجيدو  حسن التصرف والكياسة بالكلام والسياسة بالتصريحات والشعارات السياسية .ويبتعدوا عن المحرمات السياسية والخطوط الحمر المجتمعية .

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس