مصطفى واجد آغا أوغلو - خاص ترك برس

تمر علينا هذه الأيام الذكرى السنوية على توقيع معاهدة أنقرة بين جمهورية تركيا من جهة، وبين العراق والمملكة المتحدة من جهة أخرى وذلك بتاريخ الخامس من يونيو/حزيران سنة 1926 في العاصمة التركية أنقرة، والتي رسمت الحدود بين العراق وتركيا وحسمت عائدية ولاية الموصل. 

والجدير بالذكر أن الموصل دخلت تحت الحكم العثماني في عهد السلطان سليم الأول (ياووز) عام 1517، وبقيت في السيادة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى؛ إلى أن خرق الإنجليز هدنة مندروس وقاموا باحتلالها في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1918. وقد أصبحت الموصل مشكلة عالقة بين العثمانيين، أو بالأحرى بين قادة حرب الاستقلال التركية الذين كانوا يطالبون بها وبين الإنجليز.

قضية الموصل لم تحسم في معاهدة لوزان

هنا لا بد أن نشير إلى نقطة مهمة جدا، والتي تمثل محور فهم الموضوع، ولطالما تثار حولها بين حين وآخر أمور لا تمت للواقع بصلة سواء بقصد أو عن جهل، وهذه النقطة هي أن قضية الموصل لم تحسم في معاهدة لوزان الموقعة في سنة 1923، بل حسمت في معاهدة أنقرة الآنفة الذكر. 

حيث أن قضية الموصل طرحت في مؤتمر لوزان ولكن الأطراف فشلت في الوصول إلى حلها، فعرضت في الفقرة الثانية من المادة الثالثة لمعاهدة لوزان تأجيل موضوع ترسيم الحدود بين العراق وتركيا وفق ترتيبات معينة تتم مناقشتها بين تركيا وبريطانيا في غضون تسعة أشهر، وفي حال عدم الوصول إلى حل نهائي بين الحكومتين في المدة المحددة فحينئذ ستحال القضية إلى عصبة الأمم. وانتهت المدة الزمنية دون الوصول للحل فأحيلت مشكلة ولاية الموصل إلى مجلس عصبة الأمم لتنتهي أخيرًا بمعاهدة أنقرة سنة 1926. 

إذن أول لغط يجب أن يزال ويصحح هو أن مشكلة الموصل لم تحسم في لوزان، بل حسمت في معاهدة أنقرة. فعليه ما يثار بين حين وآخر أن معاهدة لوزان ستنتهي بعد قرن على توقيعها، أي في هذه السنة الجارية لا علاقة لها بالموصل لا من قريب ولا من بعيد. ناهيك أن معاهدة لوزان لا تحتوي على أي سقف زمني يتضمن انتهاءها، أي كل ما يثار عن إنتهاء لوزان سنة 2023 غير صحيح جملة وتفصيلًا.

فحوى معاهدة أنقرة (1926)

معاهدة أنقرة تضمنت على ترسيم الحدود بين العراق وتركيا كما أسلفت، وهي عبارة عن ثماني عشرة (18) مادة في ثلاثة فصول مع الملحق. يضم الفصل الأول "الحدود فيما بين تركيا والعراق"؛ والفصل الثاني "علاقات حسن الجوار"؛ أما الفصل الثالث فهو يضم "أحكام عامة". وقد وقع على المعاهدة من الطرف التركي، وزير الخارجية والنائب عن إزمير توفيق رشدي؛ وعن الطرف الثاني المتمثل بالجانب البريطاني السفير "فوق العادة" والمفوض لملك بريطانيا لدى جمهورية تركيا رونالد تشارلز لندسي، وعن الجانب العراقي وكيل وزير الدفاع نوري السعيد. وبهذه المعاهدة حسمت عائدية ولاية الموصل للعراق. وهي كذلك لا تحتوي على أي سقف زمني يؤكد انتهاءها، فعليه كل ما يثار في بعض القنوات والمواقع بهذا الخصوص غير صحيح بتاتًا. 

ومن أبرز المواد التي ذكرت في معاهدة أنقرة هي المادة الخامسة والتي نصت باجتناب كل محاولة لتبديل خط الحدود المعين بين البلدين، فقد تعهد كلا الطرفين للآخر بالحفاظ على وحدة البلد والامتناع عن تغيير خط الحدود بين البلدين. وهذه تؤكد إصرار العراق وتركيا على عدم رضاهما وموافقتهما أدنى تغيير في خط الحدود الحالي والمساس في وحدة أراضي البلدين. 

وكذلك ذكرت في المادة الثانية عشرة أن كلا البلدين لن يسمحا في منطقة الحدود بأي صورة من الدعاية والاجتماع ضده هو، أو ضد الدولة الثانية. وهذه المادة تؤكد على عدم سماح كلا البلدين لتواجد أي منظمات أو جماعات إرهابية تهدد البلد الثاني من أراضيه، وإذا ظهرت هكذا جماعات في أراضي أي طرف من المتعاقدين فهذا يعني الاخلال بالمعاهدة من طرفه. 

فمعاهدة أنقرة (1926) رسمت الحدود بين العراق وتركيا، وحسمت عائدية ولاية الموصل، والإثارات حول انتهاء مدتها غير صحيحة جملة وتفصيلًا، وهذه الأقاويل التي لا تمت للواقع بصلة لا تصب في مصلحة البلدين الشقيقين. وربما تقف خلف معظمها الجماعات الإرهابية، لا سيما منظمة (PKK) الإرهابية لهدف تعكير صفو علاقات البلدين الجارين، ولإشغال الرأي العام بهذه الادعاءات الباطلة. 

عن الكاتب

مصطفى واجد آغا أوغلو

طالب دكتوراه في مدينة بورصة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس