ترك برس

تناول مقال للكاتب والخبير التركي نيدرت إيرسانال، احتمالات تسوية الخلافات بين الولايات المتحدة وتركيا وتحقيق "مصالحة" حقيقية في المرحلة القادمة.

وقال إيرسانال إن زيارات وزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس الاستخبارات إبراهيم كالين إلى الولايات المتحدة تُشير إلى تحسن العلاقات التركية الأمريكية، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيارات علامة على بداية عصر جديد في العلاقات بين البلدين، أم أنها مجرد "تمنيات".

وتساءل في مقاله بصحيفة يني شفق: هل تُعزى كثافة الاتصالات بين الجانبين إلى رغبة حقيقية في تحسين العلاقات أم إلى الأوضاع السياسية الراهنة؟

ويُشير المراقبون إلى تراجع ملحوظ في موقف الغرب تجاه الحرب في أوكرانيا، مما يُؤجج التوترات، ليس فقط في دول "الأنجلوسفير" بل في جميع العلاقات عبر الأطلسي.

وتزامنًا مع هذه التطورات، تُواجه الولايات المتحدة ضغوطًا إضافية بسبب أزمة إسرائيل-غزة، مما يُشكل عبئًا ثقيلًا على إدارتها. وبينما تُؤثّر حرب أوكرانيا على منطقة واسعة تمتد من إنجلترا إلى الصين، فإن إسرائيل تضع منطقة الشرق الأوسط بأكملها، من الهند إلى البحر المتوسط إلى إفريقيا إلى البحر الأسود، تحت موجة كبيرة من الضغوطات والتوترات. وتتلاقى موجات التوتر من كلا المركزين على شواطئ الولايات المتحدة، مُشكّلةً ما يُمكن اعتباره "تسونامي استراتيجي". بحسب إيرسانال.

ورغم ذلك لا يعد توقيت هذه الأزمات سيئاً مقارنة بتوقيت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لا سيما مع احتمالية فوز ترامب التي تثير حالة من الذعر في جميع أنحاء الغرب.

وأضاف الكاتب: تضع هذا الظروف إدارة بايدن في موقف صعب، وتجبرها على إعادة النظر في علاقاتها مع حلفائها. فبعد اتّخاذ موقفٍ مُتشدّد تجاه تركيا منذ تولّيه منصبه، يُحاول بايدن وفريقه اليوم خطاب أنقرة بنبرةٍ أكثر ليونة. من الواضح أنهم يسعون إلى إحياء دور أنقرة كشريكٍ مُهمّ في "إدارة الأزمات العالمية".

قائمة مطالب واشنطن

يقول إيرسانال إنه لا داعي لإعادة سرد المطالب الأمريكية المُتكرّرة مثل انضمام السويد إلى الناتو، وصفقات F-16، وغيرها. فهذه القضايا باتت معروفة للجميع. وتُطالب الولايات المتحدة الآن بِمُناقشة قضايا جديدة، مثل طائرات F-35، وقانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات "كاتسا"، ودعم التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا.

وفي المقابل، تُشير تصريحات مسؤولين أتراك بارزين إلى أن تركيا تُخطط في أشهر الربيع لعملية عسكرية أكثر صرامةً وشمولًا ضد التنظميات الإرهابية في سوريا والعراق، وأن هذه العملية ستكون "حاسمة" ومختلفة عن العمليات السابقة،.

تزداد الشائعات حول انسحاب القوات الأمريكية من سوريا والعراق، وكأنّ ذلك يُصبح جزءًا من "مسار الأحداث الطبيعي". وعند قراءة هذا السرد الاستراتيجي من منظورٍ مُعاكس، نجد أنّ أنقرة تُوظّف الظروف الإقليمية والعالمية المُتغيرة لصالحها وتضعها أمام الولايات المتحدة.

وتابع المقال:

عند النظر إلى التسلسل الزمني للأحداث دون الانشغال بالتطورات اللحظية، نجد تهدئة مفاجئةً وملحوظة في العلاقات التركية اليونانية، وتأجيل زيارة بوتين، ووصول زيلينسكي إلى تركيا، وتصريحات أرمينيا عن استعدادها لتوقيع "اتفاق سلام"، كلّها تُشكل عناصر لوحةٍ مُتسقة. وعلى صعيدٍ أكثر تفصيلاً، نجد أنّ منح روسيا صفقة إنشاء ثاني محطة نووية بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة عن "تقديم مفاعلات نووية" يشكل توازنات متشابهة.

هناك مواضيع أخرى دقيقة ومعقدة يمكن أن تنضم إلى هذا السياق. وتشمل الاتصالات التركية البريطانية الأخيرة، والتحرك في الصومال، و"التنافس" بين إسرائيل وأوكرانيا على "أموال الولايات المتحدة".

يمكن حتى تفسير بعض الأحداث السلبية في العلاقات الأمريكية التركية على أنها إيجابية، مثل: زيارةُ قائدِ القيادةِ المركزيةِ الأمريكيةِ لقواتِ سوريا الديمقراطيةِ أي تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، في هذا الوقتِ بالذاتِ، واستقالة نائبة وزير الخارجية الأمريك فيكتوريا نولاند، التي كانتْ تُشرفُ على السياسةِ الأمريكيةِ تجاهَ أوكرانيا وروسيا منذُ عامِ 2014.

ولرؤيةِ نتائجِ هذهِ التطوراتِ على الأرضِ، يمكنُ مراقبةَ التطوراتِ في مثلثِ ترانسنيستريا - غاغاوزيا - أوديسا، والتي تُرسلُ إشاراتٍ إيجابيةً لتركيا.

ولفهم وجهة نظر تركيا بشكلٍ أفضل، يمكننا تحليل مشروع ميناء غزة الذي أعلنه بايدن، والذي يعتمد على البحر المتوسط وقبرص.

هل من الممكن تحصيل المستحقات؟

وفي الختام بعد استعراضنا للتطورات الأخيرة في العلاقات التركية الأمريكية يطرح السؤال التالي نفسه: هل يُمكن للولايات المتحدة وتركيا تسوية خلافاتهما وتحقيق "مصالحة" حقيقية؟

هذا سؤالٌ مصيريٌّ، ويجب التّعامل معه من منظورٍ شامل. من الواضح أنّ تركيا ترى فرصًا وفراغاتٍ في جميع أنحاء المنطقة، وتسعى لملئها من خلال خطةٍ مُحكمة تُراعي التوقيت والتنفيذ.

ومهما كانت التكهنات حول احتمالية حدوث التطورات المذكورة، كانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، فلا يمكننا تصديقها إلا بعد رؤيتها بأعيننا. وهناك عوامل أخرى تُؤثّر على مسار العلاقات، مثل ممرات الطاقة، وممرات النقل، والرخاء الاقتصادي، وما إلى ذلك.

الهدايا كثيرة، لكنها تأتي في ظلّ سياقٍ جيوسياسيّ مُضطربٍ ومُبهم، وهو ما يُمثّل عتبةً فوضويةً للنظام العالميّ الجديد الذي حددناه مسبقاً. وكما قيل يقدم هذا الواقع لتركيا فرصًا عظيمة، لكنه يواجهها أيضًا بمخاطر جسيمة. ونحن الآن على أعتاب هذه المرحلة الجديدة.

ستضطر تركيا إلى الاختيار بين الاستفادة من الظروف الحالية لتحقيق مصالحها المُتأخرة وبين إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة "ذات الهيكل المُختل" إلى "أيامها الخوالي". هذا هو جوهر الأمر.

لا تُقارن سرعة ترحيب البعض في تركيا بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بسرعة تحسن العلاقات نفسها. فمن يقولون اليوم إنه حان وقت الحساب مع أمريكا، تأكدوا أنهم سيكونون أول من يُطالب بـ "التسامح" غدًا. وإن سألتهم عن "الحقوق والمطالبات" التي يرددونها فسرعان ما يُصابون بالصمت.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!