ترك برس

قرر التلفزيون الحكومي التركي "تي ري تي" إنتاج مسلسل يتناول سيرة أكثر السياسيين الأتراك تأثيرًا على تاريخ تركيا الحديث. ومنهم عدنان مندرس، ونجم الدين أربكان، وعبد الله غُل، وورجب طيب أردوغان.

تأسست الجمهورية التركية بتاريخ 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1923، على يد القائد العسكرى مصطفى كمال أتاتورك الذي قاد حرب التحرير التركية التي استمرت لمدة 4 أعوام "1919 ـ 1923". كانت البطانة المحيطة بمصطفى كمال أتاتورك علمانية "بحتة"، إذ حاولوا بعد تأسيس الجمهورية التركية إرساء مبادئ العلمانية الصارمة والشديدة ومنعوا كل معالم الإسلام الصحيحة مثل تحويل الأذان من اللغة العربية للغة التركية عام 1934، وتحريم تعليق أي سورة باللغة العربية، ومنع تعلم القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ومنع الذهاب  للحج واعتباره خدعة يخدع آل سعود العالم بها لكسب نقودهم وأموالهم، وتعذيب العلماء ونفيهم إلى بلاد بعيدة وغيرها الكثير من الممنوعات التي حرمت المواطنين الأتراك من ممارسة طقوسهم الدينية بحرية.

استمرت هذه المعالم "المُقيّدة" للحرية الإسلامية، في تركيا، إلى عام 1950؛ إذ بعد هذا التاريخ تسلم الحكم "حزب الديمقراطية بقيادة جلال بايار" الذي أصبح بعد ذلك رئيس تركيا مابين 1950 و1960، وعدنان مندرس "الذي أصبح رئيس وزراء تركيا مابين 1950 و1960 أي بعد فوزه بـ3 دورات انتخابية.

عدنان مندرس

بعد تسلم عدنان مندرس رئاسة الحكومة عمل مع رئيس الدولة جلال بايار على تعديل القوانين العلمانية "الصارمة" التي حدت من حرية ممارسة الطقوس الدينية لدى الأتراك والتي تسببت في قتل ونفي وسجن آلاف الملتزمين بشعائر دينهم، فعمل مندرس على إعادة الأذان باللغة العربية وسمح بفتح المدارس العربية لتدريس اللغة العربية والعلوم الدينية، كما سمح للحجاج الأتراك الراغبين في الذهاب للديار الإسلامية بالذهاب وممارسة طقوس شعائر دينهم بأريحية وسهولة. هذا وغيره الكثير من الحريات التي أعادها مندرس للأتراك من جديد لممارسة طقوس دينهم بحرية وأريحية.

وتقديرا ً لجهود مندرس في إعادة هذه الحريات للشعب التركي عملت قناة "أ تي في" بإنتاج مسلسل يتحدث عن حياته باسم "أنا أحببته جدا ً". وتذكر الوثائق التاريخية بأن الجيش التركي "العلماني" رأى من عدنان مندرس رجلًا خطيرًا جدًا يهدد مبادئ تركيا العلمانية، لذلك قام ضباط الجيش بتاريخ 27 أيار/ مايو 1960 بتنفيذ انقلاب عسكري ضد مندرس انتهى باعتقاله واعتقال رئيس الجمهورية جلال بايار، وبعد محكمة عسكرية ساخرة حُكم على مندرس بالإعدام، وأُعدم بتاريخ 18 كانون الأول/ سبتمبر 1961.

نجم الدين أربكان

بعد إعدام مندرس، شهدت المرحلة التي تلته دستورًا جديدًا، أُعِد من قبل الجيش، يعيد الحد من حرية ممارسة الطقوس الدينية في تركيا. استمر هذا الدستور بتنفيذ قوانينه "الظالمة" إلى أن قام نجم الدين أربكان بتأسيس "حزب النظام القومي" بتاريخ 17 كانون الثاني/ يناير 1970، القومية هنا ليست قومية عرقية بل قومية دينية. وبعد تأسيس أربكان لهذا الحزب عمل هو وأصدقائه بكل إمكانياتهم للدفاع عن الشعائر الإسلامية، وكانوا دومًا يخرجون للمطالب بإعادة حرية ممارسة الشعائر الدينية، وإعطاء المحافظين الأتراك حقوقهم في ممارسة طقوس دينهم.

بعد تأسيس أربكان "لحزب النظام القومي" عمل بكل جهده على المطالبة بالحرية لجميع طبقات المجتمع التركي، ودعا إلى عدم فرض القوانين على الشعب التركي بصرامة بل احترام جميع الآراء وتوفير الجو الديمقراطي ليتمكن كل مواطن، مهما كان انتمائه، من ممارسة حقه في العيش كما يريد.

عبد الله غُل ورجب طيب أردوغان

ومن كنف الأحزاب التي أسسها أربكان على امتداد مسيرته خرجت أسماء غيرت مسار السياسة التركية كما غيرها أربكان بالضبط؛ من هذه الأسماء الرئيس السابق لتركيا "عبدالله غُل"، ورئيس تركيا الحالي "رجب طيب أردوغان"، هذه الشخصيتان يعود فضل تربيتهما وتأهيلهما إلى نجم الدين أربكان الذي عمل بكل قواه على تغيير السياسة والاقتصاد والمجتمع التركي نحو الأفضل.

تسلم عبدالله غُل "مؤسس حزب العدالة والتنمية ورئيسه الأول" رئاسة وزراء تركيا بتاريخ 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، واستمرت حكومته لتاريخ 29 آذار/ مارس 2003، وخلال هذا العام أنجز عبدالله غُل الكثير من التغييرات الإيجابية في السياسة والاقتصاد التركي. وبعد حكومة عبد الله غُل قام الرئيس الجديد لحزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان بتأسيس حكومة جديدة، استمرت حتى تاريخ 10 آب/ أغسطس 2014 إذ تم انتخابه على فترة 3 دورات انتخابية متتالية، وخلال هذه الفترة تولى عبد الله غول وزارة الخارجية التركية حتى عام 2007، ليصبح بعدها رئيسًا لتركيا.

وخلال هذه الفترة التي حكم فيها هذان الشخصان استطاعت تركيا أن تصبح عنصرًا سياسيًا قويًا وفعالًا إقليميًا ودوليًا. كما استطاعت أن تصبح إحدى الدول العشر الأقوى اقتصاديًا وصناعيًا، وأصبحت الحرية والديمقراطية بكل ألوانها الدينية والقومية والطائفية متاحة وشائعة ووصلت إلى حد السماح للمحجبات التركيات بالترشح والدخول للبرلمان، بعدما كان دخولهم إلى انتخابات البلديات أمرًا مستحيلًا.

وتقديرا ً لجهود هؤلاء السياسيين، نجم الدين أربكان وعبد الله غُل ورجب طيب أردوغان، الذين أحدثوا تغييرات جذرية في سياسة واقتصاد وثقافة تركيا،  قرر تلفزيون "تي ري تي" التابع للدولة التركية إنتاج مسلسل يتحدث عن مسيرتهم السياسية تحت اسم "السماء في المرآة". وعلى الرغم من عدم الإفصاح عن الموعد الرسمي لبدأ بث المسلسل إلا أنه يتوقع أن يتم بثه بعد شهر رمضان، كما يتوقع أن تتم ترجمته لأكثر من لغة، تكون اللغة العربية من ضمنها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!