محمود عثمان - خاص ترك برس

أماطت الحرب بين تنظيم داعش وتنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) في مدينة عين العرب - كوباني اللثام عن صلات وثيقة وعلاقات حميمة بين هذا التنظيم والولايات المتحدة الأمريكية، فبينما كان الأتراك يتهيؤون للعب دور الوسيط في ترويض هذا الحزب اليساري الماركسي وتأهيله للدخول إلى ساحة السياسة الدولية بدعوة زعيمه صالح مسلم إلى أنقرة لمحاولة إقناعه وإذ بهم يفاجؤون بأن عمر علاقته بالطرف الأمريكي جاوزت العام والنصف! ما جعل كلامهم يدخل من أذن ويخرج من أخرى.

وبحسب تقرير لمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي (SETA)، فقد قامت قوات التحالف الدولي بتنفيذ  1774 ضربة جوية ضد تنظيم داعش 1200 منها كانت دعما لتنظيم (PYD)!. واستنادا إلى نفس الدراسة نجد ضربات قوى التحالف الجوية موزعة على المدن كالتالي:

عين العرب - كوباني: 943

تل أبيض: 244

الرقة: 96

دير الزور: 95

حلب: 14

البوكمال: 8

مناطق مختلفة: 30

هذه الأرقام فضلا عن كونها تثير أسئلة كثيرة فهي تشير بوضوح إلى علاقة أمريكية أكثر من حميمة مع هذا الحزب المليشياوي! الذي يراه الأمريكان معارضة معتدلة ضد بشار الأسد لا يقبلون أحدا سواها، مما جعلهم يعطلون برنامج تدريب المعارضة السورية المعلن عنه والمتفق عليه مع تركيا والأردن لأنهم لم يجدوا أحدا من فصائل المعارضة السورية على مقاسهم سوى هذا الحزب.

وتجدر الإشارة إلى أنه لا علاقة مباشرة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)  بأكراد سورية فقد تم تأسيسه وتنظيمه في جبل قنديل بتركيا وهو يعتبر الجناح العسكري لتنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK) في سورية على شاكلة الأذرع الأخرى التي أسسها الأخير في كل من إيران والعراق.

هذا التنظيم التابع لجبل قنديل وبعد أنّ عزز تواجده في بعض المناطق السورية بقوة السلاح وبتنسيق مع نظام الأسد تارة ودعم وغطاء جوي أمريكي تارة أخرى، قام بتهجير الأكراد الموالين لرئيس إقليم كردستان العراق "مسعود برزاني". كما قامت عناصر التنظيم باغتيال وأسر العديد من المفكرين وأصحاب العقول الراجحة ووجهاء الأعيان المقربين من البرزاني أو المناصرين له. وإنّ ما يدعيه القائمون على أمور هذا التنظيم من إشاعات بأنهم يحاربون من أجل الدفاع عن الشعب الكردي الذي يقطن مناطق الشمال السوري، مجرد افتراءات وأكاذيب لا أصل لها وعارية عن الصحة تماماً. صحيح أنّ تنظيم (PYD) يضم في صفوفه عناصر سورية، إلّا أنّ هذه العناصر تتبع إيديولوجيا وفكرياً لتنظيم (PKK) الإرهابي التي تعاني منه الدّولة التركية منذ عقود.

عندما كان الأكراد في سورية يتعرضون للظلم والاضطهاد، وعندما تمّ تجريدهم من أبسط حقوقهم في المواطنة، كان تنظيم (PKK) الإرهابي بمثابة الفتى المدلل لدى النظام السوري. وكان زعيم هذا التنظيم يعيش كالملوك في العاصمة دمشق. والغريب في الأمر أنّ هذا التنظيم عندما كان يحارب الدّولة التركية وهو مضطجع على أحضان الدّولة السورية، لم يتذكر أبداً معاناة هؤلاء الأكراد السوريين الذين ذاقوا الويلات من ظلم نظام الأسد لعقود طويلة. والأغرب من هذا كله أنّ هذا التنظيم حارب الدّولة التركية بداعي وجود مشاكل للأكراد فيها، متناسين بذلك الديكتاتورية التي كانت تُمارس ضدّ الأكراد في سوريا من قِبل النظام البعثي.

وعندما بدأ عرش الديكتاتورية البعثية يهتزّ في دمشق، سارع تنظيم (PKK) الذي لم يطلق طلقة واحدة ضد هذا النظام على مرّ التاريخ، بالوقوف إلى جانبه ومساندته من أجل البقاء في السلطة*.

إذا كانت هذه هي حقيقة هذا التنظيم  فأي خير يرجى لسورية الوطن وأكراد سورية الوطنيين الأحرار من تنظيم ليس إلّا سلاحًا بيد النظام السوري وأداة بيد القوى الدولية التي تدفع باتجاه تمزيق سورية وتقسيم المقسم من بلدان منطقتنا المنكوبة؟!.

أعتقد أن إخواننا الأكراد السوريين بحاجة أكثر من أي وقت مضى لعملية مراجعة حقيقية لخياراتهم الاستراتيجية، لأنّ الانجرار وراء انتصارات وهمية مشروطة بدعم خارجي مبني على حسابات سياسية قابلة للتغيير في أي لحظة لا يمكن أن يقوم عليه مشروع طويل الأمد.

يبقى خيار التمسك بوحدة التراب السوري هو قارب النجاة لجميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية والمذهبية، وخصوصا بعد التخلص من الدكتاتورية وتسلط زمرة بعينها كائنة من كانت، وبناء الوطن السوري على أسس الحق والعدل والديمقراطية وسيادة القانون.


* ملاحظة: ما تحته خط مقتبس من مقال للكاتب الكردي محمد متينار.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس